البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (57)

{ فيومئذ } : أي يوم إذ ، يقع ذلك من إقسام الكفار وقول أولي العلم لهم .

وقرأ الكوفيون : { لا ينفع } ، بالياء هنا وفي الطول ، ووافقهم نافع في الطول ؛ وباقي السبعة بتاء التأنيث .

{ ولا هم يستعتبون } ، قال الزمخشري : من قولك : استعتبنى فلان فأعتبته : أي استرضاني فأرضيته ، وذلك إذا كان جانياً عليه ، وحقيقته : أعتبته : أزلت عتبه .

ألا ترى إلى قوله :

غضبت تميم أن يقتل عامر *** يوم النثار فأعتبوا بالصيلم

كيف جعلهم غضاباً .

ثم قال : فأعتبوا : أي أزيل غضبهم ، والغضب في معنى العتب ، والمعنى : لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة ، ومثله قوله تعالى : { فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون } فإن قلت : كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات ، وغير معتبين في بعضها ؟ وقوله : { وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين } قلت : أما كونهم غير مستعتبين ، فهذا معناه ؛ وأما كونهم غير معتبين ، فمعناه أنهم غير راضين بما هم فيه ؛ فشبهت حالهم بحال قوم جنى عليهم ، فهم عاتبون على الجاني ، غير راضين منه .

فإن يستعتبوا الله : أي يسألوه إزالة ما هم فيه ، فما هم من المجابين إلى إزالته .

وقال ابن عطية : هذا إخبار عن هول يوم القيامة ، وشدّة أحواله على الكفرة في أنهم لا ينفعهم الاعتذار ، ولا يعطون عتبى ، وهو الرضا .

ويستعتبون بمعنى : يعتبون ، كما تقول : يملك ويستملك .

والباب في استفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه ، لأن المعنى لا يفسد إذا كان المفهوم منه ، ولا يطلب منهم عتبى . انتهى .

فيكون استفعل في هذا بمعنى الفعل المجرد ، وهو عتب ، أي هم من الإهمال وعدم الالتفات إليهم بمنزلة من لا يؤهل للعتب .

وقد قيل : لا يعاتبون على سيئاتهم ، بل يعاقبون .

وقيل : لا يطلب لهم العتبى .

وقيل : لا يلتمس منهم عمل وطاعة ،