نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (57)

ولما كان قوله تعالى :{ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات }[ النساء : 173 ] في أشكالها من الآيات دالاً على أن هذه الدنيا دار العمل{[53499]} ، وأن{[53500]} دار الآخرة دار الجزاء ، وأن البرزخ هو{[53501]} حائل بينهما ، فلا يكون في واحدة منهما ما للأخرى ، سبب عن ذلك قوله : { فيومئذ } أي إذ تقوم الساعة ، وتقع هذه المقاولة { لا ينفع } {[53502]}أي نفعاً{[53503]} ما{[53504]} { الذين ظلموا } أي وضعوا الأمور في غير مواضعها { معذرتهم } وهي ما تثبت عذرهم ، وهو إيساغ الحيلة في وجه يزيل ما ظهر من التقصير لأنهم{[53505]} لا عذر لهم وإن بالغوا في إثباته ، والعبارة شديدة جداً من حيث كانت تعطي أن من وقع منه ظلم ما يوماً ما كان هذا حاله ، وهي تدل على أنه تكون منهم معاذير{[53506]} ، وترقق كثير ، وتذلل كبير ، فلا يقبل منه شيء - {[53507]}هذا على قراءة الجماعة بتأنيث الفعل وهي{[53508]} أبلغ من قراءة الكوفيين بتذكيره بتأويل العذر ، لأنه إذا لم ينفع الاعتذار الكثير لم ينفع القليل الذي{[53509]} دل عليه{[53510]} المجرد ولا عكس ، ويمكن أن تكون قراءة الجمهور{[53511]} متوجهة للكفرة و{[53512]} قراءة الكوفيين للعصاة من المؤمنين ، فإن منهم من ينفعه الاعتذار فيعفى عنه ، ويشهد لهذا ما ورد في آخر أهل النار خروجاً منها{[53513]} أنه يسأل في صرف وجهه عنها{[53514]} ويعاهد ربه سبحانه أنه لا{[53515]} يسأله غير ذلك ، فإذا صرفه {[53516]}عن ذلك{[53517]} رأى شجرة عظيمة فيسأل أن يقدمه إلى ظلها فيقول الله : ألست أعطيت العهود{[53518]} والمواثيق أن لا تسال{[53519]} ؟ فيقول : بلى ! يارب ! ولكن لا أكون أشقى خلقك{[53520]} - الحديث{[53521]} ، وفيه " وربه يعذره " فهذا قد قبل عذره في الجملة ، ولا يطلب منه أن يزيل العتب{[53522]} لأن ذلك لا يمكن إلا بالعمل ، وقد فات محله ، فأتت المغفرة من وراء ذلك كله .

ولما كان العتاب من سنة الأحباب قال : { ولا هم } أي الذين وضعوا الأشياء في غير مواضعها { يستعتبون* } أي يطلب منهم {[53523]}ظاهراً أوباطناً بتلويح أو تصريح{[53524]} أن يزيلوا ما وقعوا فيه مما{[53525]} يوجب العتب ، وهو الموجدة{[53526]} عن تقصير يقع فيه المعتوب ، لأن ذلك لا يكون إلا بالطاعة وقد فات محلها بكشف الغطاء لفوات الدار التي تنفع فيها الطاعات لكونها إيماناً بالغيب ، والعبارة تدل على أن المؤمنين{[53527]} يعاتبون عتاباً يلذذهم .


[53499]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الملك.
[53500]:زيد من ظ وم ومد.
[53501]:سقط من ظ وم ومد.
[53502]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53503]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53504]:زيد من ظ ومد.
[53505]:في ظ ومد: لأنه، والعبارة من هنا بما فيها هذه الكلمة ساقطة في م إلى "في إثباته".
[53506]:في ظ: مقادير.
[53507]:العبارة من هنا إلى "وراء ذلك كله" ص 134 س 2 ساقطة من م.
[53508]:في ظ: هو.
[53509]:زيد من ظ ومد.
[53510]:من ظ ومد، وفي الأصل: علمه.
[53511]:راجع نثر المرجان 5/316.
[53512]:في ظ: في.
[53513]:زيد من ظ ومد.
[53514]:زيد من ظ ومد.
[53515]:زيد من ظ ومد.
[53516]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53517]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53518]:من ظ ومد، وفي الأصل: اليهود.
[53519]:زيد من ظ ومد.
[53520]:زيدت الواو في ظ ومد.
[53521]:رواه البخاري في العديد من مناسباته ومسلم في أبواب الإيمان.
[53522]:في ظ ومد: المعتب.
[53523]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53524]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53525]:في ظ: ما.
[53526]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الموجودة.
[53527]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المؤمنون.