الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (57)

قوله : { فَيَوْمَئِذٍ } : أي : إذ يقعُ ذلك ، ويقولُ الذين أوتوا العلمَ تلك المقالة .

قوله : " لا يَنْفَعُ " هو الناصبُ ل " يومئذٍ " قبله . وقرأ الكوفيون هنا وفي غافر بالياءِ مِنْ تحتُ . وافقهم نافعٌ على ما في غافر ، لأن التأنيثَ مجازيٌّ ولأنه قد فُصِل أيضاً . والباقون بالتأنيث فيهما مراعاةً لِلَّفْظِ .

قوله : { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } قال الزمخشري : " مِنْ قولك : اسْتَعْتَبني فلانٌ فَأَعْتَبْتُه أي : استرضاني فَأَرْضَيْتُه ، وكذلك إذا كنتَ جانياً عليه . وحقيقةُ أَعْتَبْتَه . أَزَلْتَ عَتْبَه ألا ترى إلى قوله :

3655 غَضِبَتْ تميمٌ أَنْ يُقتَّل عامرٌ *** يومَ النسارِ فَأُعْتِبُوا بالصَّيْلَمِ

كيف جعلهم غِضاباً ؟ ثم قال : " فَأُعْتِبوا " أي : أُزيل غَضَبُهم . والغضب في معنى العَتْبِ . والمعنى : لا يُقال لهم : أرْضُوا ربَّكم بتوبة وطاعةٍ . ومثلُه قولُه تعالى : { فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ الجاثية : 35 ] فإنْ قلتَ : كيف جُعِلوا غيرَ مُسْتَعْتِبين في بعضِ الآيات وغيرَ مُعْتَبين في بعضها ، وهو قولُه : { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ } [ فصلت : 24 ] . قلت : أمَّا كونُهم غيرَ مُسْتَعْتِبين فهذا معناه ، وأمَّا كونُهم غيرَ مُعْتَبين فمعناه : أنهم غيرُ راضين بما هم فيه ، فشُبِّهَتْ حالُهم بحالِ قومٍ جُني عليهم فهم عاتِبون على الجاني ، غيرُ راضين عنه بما هم فيه . فإنْ يَسْتَعتبوا الله أي يَسْألوه إزالة ما هم فيه فما هم مِن المجابين " انتهى .

وقال ابن عطية : " ويَسْتَعْتِبون بمعنى يَعْتِبون كما تقول : يَمْلك ويَسْتملك . والبابُ في استفعل طلبُ الشيءِ ، وليس هذا منه ؛ لأنَّ المعنى كان يَفْسُدُ ؛ إذ كان المفهومُ منه : ولا يُطْلَبُ منهم عُتْبى " . قلت : وليس فاسداً لِما تقدَّم مِنْ قولِ أبي القاسم .