وفي ظل هذا المشهد يوجه الخطاب إلى المعاندين المكابرين ، ليستجيبوا لربهم قبل أن يفجأهم مثل هذا المصير فلا يجدوا لهم ملجأ يقيهم ، ولا نصيراً ينكر مصيرهم الأليم ، ويوجه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى التخلي عنهم إذا هم أعرضوا فلم يستجيبوا لهذا النذير ؛ فما عليه إلا البلاغ ، وما هو مكلف بهم ولا كفيل :
( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ، ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير . فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ ) . .
{ استجيبوا لربكم } : أي أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والعبادة .
{ من قبل أن يأتي يوم } : أي يوم القيامة .
{ لا مردّ له من الله } : أي إذا أتى لا يرد بحال .
{ ما لكم من ملجأ يومئذ } : أي تلجأون إليه وتتحصنون فيه .
{ وما لكم من نكير } : أي وليس لكم ما تنكرون به ذنوبكم لأنها في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
بعد ذلك العرض الهائل لأهوال وأحوال الظالمين في عرصات القيامة طلب الرب تعالى من عباده أن يجيبوه لما طلبه منهم إنقاذاً لأنفسهم من النار فقال : { استجيبوا لربكم } بمعنى أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والطاعات قبل فوات الفرصة وذلك قبل الموت وقبل يوم القيامة اليوم الذي إذا جاء لا مردّ له من الله ، إذ لا يفجر على رده إلا الله والله أخبر أنه لا يرده فمن يرده إذاً ؟ فبادروا بالتوبة إلى ربكم قبل مجيئه حيث لا يكون لكم يومئذ ملجأ تلجأون إليه هاربين من العذاب ولا يكون لكم نكير يمكنكم أن تنكروا به ذنوبكم إذ قد جمعت لكم في كتاب واحد لم يترك صغيرة من الذنوب ولا كبيرة إلا أحصاها عداً . هذا ما دلت عليه الآية الأولى ( 47 ) وهي قوله تعالى : { استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير } .
- وجوب الاستجابة لله تعالى في كل ما دعا العبد إليه ، وذلك قبل أن يطلب الاستجابة ولا يمكن منها .
ولما كان هذا ، أنتج قطعاً قوله : { استجيبوا } أي اطلبوا الإجابة وأوجدوها ، ولفت القول إلى الوصف الإحساني تذكيراً بما يحث على الوفاق ، ويخجل من الخلاف والشقاق ، فقال : { لربكم } الذي لم تروا إحساناً إلا وهو منه فيما دعاكم إليه برسوله صلى الله عليه وسلم من الوفاء بعهده في أمره ونهيه ، ولا تكونوا ممن ترك ذلك فتكونوا ممن علم أنه أضله فانسد عليه السبيل .
ولما كان الخوف من الفوت موجباً للمبادرة ، قال مشيراً بالجار إلى أنه يعتد بأدنى خير يكون في أدنى زمن يتصل بالموت : { من قبل أن يأتي يوم } أي يكون فيه ما لا يمكن معه فلاح ؛ ثم وصفه بقوله لافتاً إلى الاسم الأعظم الجامع لأوصاف الإحسان والإنعام على المطيعين والقهر والانتقام من العاصين : { لا مرد } أي لا رد ولا موضع رد ولا زمان رد { له } كائن { من الله } أي الذي له جميع العظمة وإذا لم يكن له مرد منه لم يكن له مرد من غيره ، ومتى عدم ذاك أنتج قوله : { ما لكم } وأعرق في النفي بقوله : { من ملجأ يومئذ } أي مكان تلجأون إليه في ذلك اليوم وحصن تتحصنون فيه من شيء تكرهونه ، وزاد في التأكيد بإعادة النافي وما في حيزه إبلاغاً في التحذير فقال : { وما لكم من نكير * } أي من إنكار يمكنكم به من النجاة لأن الحفظة يشهدون عليكم فإن صدقتموهم وإلا شهدت عليكم أعضاؤكم وجلودكم ، ولا لكم من أحد ينكر شيئاً مما تتجاوزون به ليخلصكم منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.