في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ} (20)

ثم يجيب . .

كان كما يصفه ذلك الوصف الخاطف الرعيب :

( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر . تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) . . والريح الصرصر : الباردة العنيفة . وجرس اللفظ يصور نوع الريح . والنحس : الشؤم . وأي نحس يصيب قوما أشد مما أصاب عاد . والريح تنزعهم وتجذبهم وتحطمهم . فتدعهم كأنهم أعجاز نخل مهشمة مقلوعة من قعورها ? !

والمشهد مفزع مخيف ، وعاصف عنيف . والريح التي أرسلت على عاد " هي من جند الله " وهي قوة من قوى هذا الكون ، من خلق الله ، تسير وفق الناموس الكوني الذي اختاره ؛ وهو يسلطها على من يشاء ، بينما هي ماضية في طريقها مع ذلك الناموس ، بلا تعارض بين خط سيرها الكوني ، وأدائها لما تؤمر به وفق مشيئة الله . صاحب الأمر وصاحب الناموس :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ} (20)

وقوله : { تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } وذلك أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار ، ثم تنكسه على أم رأسه ، فيسقط إلى الأرض ، فتثلغ رأسه فيبقى جثة بلا رأس ، ولهذا قال : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ . فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ . وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ} (20)

والنزع : الإِزالة بعُنف لئلا يبقى اتصال بين المزال وبين ما كان متصلاً به ، ومنه نزع الثياب .

والأعجاز جمع عَجُز : وهو أسفل الشيء ، وشاع إطلاق العَجُز على آخر الشيء لأنهم يعتبرون الأجسام منتصبة على الأرض فأولاها ما كان إلى السماء وآخرها ما يلي الأرض .

وأطلقت الأعجاز هنا على أصول النخل لأن أصل الشجرة هو في آخرها مما يلي الأرض .

وشبه الناس المطروحون على الأرض بأصول النخيل المقطوعة التي تقلع من منابتها لموتها إذ تزول فروعها ويتحاتّ ورقها فلا تبقى إلا الجذوع الأصلية فلذلك سميت أعجازاً .

و { منقعر } : اسم فاعل انقعر مطاوع قَعره ، أي بلغ قَعْره بالحفر يقال : قَعَرَ البئرَ إذا انتهى إلى عمقها ، أي كأنهم أعجاز نخل قعرت دواخله وذلك يحصل لعُود النخل إذا طال مكثه مطروحاً .

ومنقعر : وصف النخل ، روعي في إفراده وتذكيره صورة لفظ نخل دون عدد مدلوله خلافاً لما في قوله تعالى : { كأنهم أعجاز نخل خاوية } [ الحاقة : 7 ] وقوله : { والنخل ذات الأكمام } [ الرحمن : 11 ]

قال القرطبي : « قال أبو بكر ابن الأنباري سئل المبرد بحضرة إسماعيل القاضي{[403]} عن ألف مسألة من جملتها ، قيل له : ما الفرق بين قوله تعالى : { ولسليمان الريح عاصفة } [ الأنبياء : 81 ] و { جاءتها ريح عاصف } [ يونس : 22 ] وقوله : { أعجاز نخل خاوية } [ الحاقة : 7 ] و { أعجاز نخل منقعر } ؟ فقال كل ما ورد عليك من هذا الباب فإن شئت رددته إلى اللفظ تذكيراً أو إلى المعنى تأنيثاً » اهـ .

وجملة { كأنهم أعجاز نخل منقعر } في موضع الحال من { الناس } ووجه الوصف ب { منقعر } الإِشارة إلى أن الريح صرعتهم صرعاً تفلقت منه بطونهم وتطايرت أمعاؤهم وأفئدتهم فصاروا جثثاً فُرغا . وهذا تفظيع لحالهم ومثلة لهم لتخويف من يراهم .


[403]:- إسماعيل بن إسحاق بن حماد البصري فقيه المالكية بالعراق وقاضي الجماعة ببغداد توفي سنة 282 له أحكام القرآن.