وقوله [ تعالى ]{[17440]} { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا } أي : وإذا سألك أقاربك ومن أمرنا بإعطائهم وليس عندك شيء ، وأعرضت عنهم لفقد النفقة { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا } أي : عدهم وعدًا بسهولة ، ولين إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله ، هكذا فسر قوله { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا } بالوعد : مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة وغير واحد .
وقوله تعالى : { وإما تعرض } ، الضمير في { عنهم } عائد على من تقدم ذكره من المساكين وبني السبيل ، فأمر الله تعالى نبيه في هذه الآية إذا سأله منهم أحد ، فلم يجد عنده ما يعطيه فقابله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعراض تأدباً منه في أن لا يرده تصريحاً ، وانتظار الرزق من الله تعالى يأتي فيعطي منه ، أن يكون يؤنسه بالقول الميسور ، وهو الذي فيه الترجية بفضل الله تعالى والتأنيس بالميعاد الحسن والدعاء في توسعة الله تبارك وتعالى وعطائه ، وروي أنه عليه السلام كان يقول بعد نزول هذه الآية ، إذا لم يكن عنده ما يعطي : يرزقنا الله وإياكم من فضله{[7535]} ، ف «الرحمة » على هذا التأويل الرزق المنتظر ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة ، وقال ابن زيد «الرحمة » الأجر والثواب ، وإنما نزلت الآية في قوم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأبى أن يعطيهم لأنه عليه الصلاة والسلام كان يعلم منهم نفقة المال في فساد ، فكان يعرض عنهم رغبة الأجر في منعهم لئلا يعينهم على فسادهم ، فأمره الله تعالى بأن يقول لهم { قولاً ميسوراً } يتضمن الدعاء في الفتح لهم والإصلاح .
قال القاضي أبو محمد : وقال بعض أهل التأويل الأول ، نزلت الآية في عمار بن ياسر وصنفه ، و «الميسور » مفعول من لفظة اليسر ، تقول يسرت لك كذا إذا أعدَدته .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم رجع إلى المسكين وابن السبيل، فقال: {وإما تعرضن عنهم}، نزلت في خباب، وبلال، ومهجع، وعمار، ونحوهم من الفقراء، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجد ما يعطيهم فيعرض عنهم فيسكت،
ثم قال عز وجل: {ابتغاء رحمة من ربك ترجوها}، يعني: انتظار رزق من ربك،
{فقل لهم قولا ميسورا}، يقول: اردد عليهم معروفا، يعني: العدة الحسنة أنه سيكون فأعطيكم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وإن تعرض يا محمد عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم حقوقهم إذا وجدت إليها السبيل بوجهك عند مسألتهم إياك، ما لا تجد إليه سبيلاً، حياء منهم ورحمة لهم "ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ "يقول: انتظار رزق تنتظره من عند ربك، وترجو تيسير الله إياه لك، فلا تؤيسهم، ولكن "قل لهم قولاً ميسورا" يقول: ولكن عدهم وعدا جميلاً، بأن تقول: سيرزق الله فأعطيكم، وما أشبه ذلك من القول اللين غير الغليظ، كما قال جلّ ثناؤه: "وأمّا السّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ". وذلك أن رحمة الله إنما ترجى لأهل طاعته، لا لأهل معاصيه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل قوله {وإما تعرضن عنهم} إعراض الإجابة فذلك يكون بالاستثقال والاستخفاف مرة، أو لما ليس عنده شيء يعطيهم ثانيا. لكن لا يعرف أن الإعراض، كان للاستثقال أو الاستخفاف أو لما ليس عنده ما يعطيهم، فأمره الله أن يبين لهم أن الإعراض عنهم ليس للاستثقال والاستخفاف، وكذلك ترك الإجابة لهم، ولكن لما ليس عنده شيء ليعلموا أن الإعراض عنهم ليس للاستخفاف وللاستثقال، ولكن لما ليس عند ما يعطيهم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الإعراض: صرف الوجه عن الشيء، وقد يكون عن قلى، وقد يكون للاشتغال بما هو الأولى، وقد يكون لإذلال الجاهل مع صرف الوجه عنه، كما قال "وأعرض عن الجاهلين"... والرجاء: تعلق النفس بطلب الخير ممن يجوز منه، ومن يقدر على كل خير وصرف كل شر، فهو أحق بأن يرجا... وأصل التيسير: التسهيل، واليسر خلاف العسر، وقد يكون التيسير بالتقليل، فيسهل عليه لقلته، ويكون بمنزلة المعونة على عمله.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إن لم يُسَاعِدْكَ الإمكانُ على ما طالبوكَ من الإحسان فاصْرِفْهم عنكَ بوعدٍ جميلٍ إن لم تُسْعِفهم بنقدٍ جزيل.. وإنَّ وَعْدَ الكرام أَهْنأُ من نقد اللئام.
أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 504 هـ :
وهو تأديب عجيب، وقول لطيف بديع، فإنه تعالى قال: {وإمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا}: أي لا تعرض عنهم إعراض مستهين عن ظهر الغنا والقدرة فتحرمهم... فإن قعد بك الحال عن المواساة {فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً}، يعمل في مسرة نفسه عمل المواساة فتقول: الله يرزق، والله يفتح بالخير...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الردّ {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} فلا تتركهم غير مجابين إذا سألوك. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل شيئاً وليس عنده أعرض عن السائل وسكت حياء. قوله {ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ} إمّا أن يتعلق بجواب الشرط مقدّماً عليه، أي: فقل لهم قولاً سهلاً ليناً وعدهم وعداً جميلاً، رحمة لهم وتطييباً لقلوبهم، ابتغاء رحمة من ربك، أي: ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم. وإما أن يتعلق بالشرط، أي: وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك، فسمى الرزق رحمة، فردّهم ردّاً جميلاً، فوضع الابتغاء موضع الفقد؛ لأنّ فاقد الرزق مبتغ له، فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسبباً عنه، فوضع المسبب موضع السبب. ويجوز أن يكون معنى {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} وإن لم تنفعهم ولم ترفع خصاصتهم لعدم الاستطاعة، ولا يريد الإعراض بالوجه كناية بالإعراض عن ذلك؛ لأن من أبى أن يعطي: أعرض بوجهه. يقال: يسر الأمر وعسر، مثل سعد الرجل ونحس فهو مفعول. وقيل معناه: فقل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله، على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم، كأن معناه: قولاً ذا ميسور، وهو اليسر، أي: دعاء فيه يسر.
{ابتغاء رحمة من ربك ترجوها} كناية عن الفقر، لأن فاقد المال يطلب رحمة الله وإحسانه. فلما كان فقد المال سببا لهذا الطلب ولهذا الابتغاء أطلق اسم السبب على المسبب فسمى الفقر بابتغاء رحمة الله تعالى، والمعنى: أن عند حصول الفقر والقلة لا تترك تعهدهم بالقول الجميل والكلام الحسن، بل تعدهم بالوعد الجميل وتذكر لهم العذر وهو حصول القلة وعدم المال، أو تقول لهم: الله يسهل... قال بعضهم: القول الميسور مثل قوله: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى} قالوا: والميسور هو المعروف، لأن القول المتعارف لا يحوج إلى تكلف...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أمر بما هو الأولى في حالة الوجدان، أمر بمثل ذلك حالة العدم، فقال مؤكداً تنبيهاً على أنه ينبغي أن يكون الإعراض عنهم في حيز الاستبعاد والاستنكار: {وإما تعرضن عنهم} أي عن جميع من تقدم ممن أمرت بالبذل له، لأمر اضطرك إلى ذلك لا بد لك منه، لكونك لا تجد ما تعطيه، فأعرضت حياء لا لإرادة المنع، بل {ابتغاء} أي طلب {رحمة} أي إكرام وسعة {من ربك} الكثير الإحسان {ترجوها} فإذا أتتك واسيتهم فيها {فقل لهم} في حالة الإعراض {قولاً ميسوراً} أي ذا يسر يشرح صدورهم، ويبسط رجاءهم، لأن ذلك أقرب إلى طريق المتقين المحسنين الذين أنا معهم...
مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لابن باديس 1359 هـ :
في الآية تعليم وتربية للمعسر من ناحيتين:
الأولى: معاملته لذوي القربى واليتامى والمساكن عند السؤال وعدمه. وعرف من الآية أنه مطالب بحسن المقال بدلا مما عجز عنه من النوال.
والثانية: أدبه هو في نفسه والحالة التي ينبغي له أن يكون عليها: فإن حالة العسر حالة شدة وبلاء يحتاج المكلف أشد الحاجة أن يعرف دواءه فيها لسيرته العملية، وحالته النفسية، فأعطته هذه الآية الكريمة الدواء لهما. فأما في سيرته العملية فعليه أن يكون ساعيا في الأسباب حسب جهده، وذلك هو ما يفيده قوله:"ابتغاء رحمة من ربك". و أن يكون مطمئن القلب بالله، معتمدا عليه، قوي الثقة فيه وذلك ما يفيده قوله: "ترجوها"...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وهذا أيضا من لطف الله تعالى بالعباد أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه لأن انتظار ذلك عبادة، وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر عبادة حاضرة لأن الهم بفعل الحسنة حسنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك ولعل الله ييسر له...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الإعراض: أصله ضد الإقبال مشتق من العُرض بضم العين أي الجانب، فأعرض بمعنى أعطى جانبه {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} [الإسراء: 83]، وهو هنا مجاز في عدم الإيتاء أو كناية عنه لأن الإمساك يلازمه الإعراض... يقال: يُسِر الأمرُ بضم الياء وكسر السين كما يقال: سُعِد الرجل ونُحِس، والمعنى: جُعِل يسيراً غير عسير، وكذلك يقال: عُسِر. والقول الميسور: اللين الحسن المقبول عندهم؛ شبه المقبول بالميسور في قبول النفس إياه لأن غير المقبول عسير... وقد شرط الإعراض بشرطين: أن يكون إعراضاً لابتغاء رزق من الله، أي إعراضاً لعدم الجدة لا اعتراضاً لبخل عنهم، وأن يكون معه قول لين في الاعتذار. وعلم من قوله: ابتغاء رحمة من ربك} أنه اعتذار صادق وليس تعللاً... وفي ضمن هذا الشرط تأديب للمؤمن إن كان فاقداً ما يبلغ به إلى فعل الخير أن يرجوَ من الله تيسير أسبابه، وأن لا يحمله الشح على السرور بفقد الرزق للراحة من البذل بحيث لا يَعدِم البذلَ الآن إلا وهو راج أن يسهل له في المستقبل حرصاً على فضيلته، وأنه لا ينبغي أن يعرض عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل إلا في حال رجاء حصول نعمة فإن حصلت أعطاهم...
... حتى في حال المنع يجب على المسلم أن يلتزم الأدب، ولا يجرح مشاعر السائل، وأن يرده بلين ورفق، وأن يظهر له الحياء والخجل، وألا يتكبر أو يتعالى عليه، وأن يتذكر نعمة الله عليه بأن جعله مسئولاً لا سائلاً...