وبعد الاستعراض السريع لمصارع أولئك الأقوام يعمم في عرض مصارع الغابرين :
فكأي من قرية أهلكناها وهي ظالمة ، فهي خاوية على عروشها ؛ وبئر معطلة ، وقصر مشيد .
فهي كثيرة تلك القرى المهلكة بظلمها . والتعبير يعرض مصارعها في مشهد شاخص مؤثر : ( فهي خاوية على عروشها ) . . والعروش السقوف ، وتكون قائمة على الجدران عند قيام البناء . فإذا تهدم خرت العروش
وسقطت فوقها البنيان ، وكان منظرها هكذا موحشا كئيبا مؤثرا . داعيا إلى التأمل في صورتها الخالية وصورتها البادية . والربوع الخربة أوحش شيء للنفس وأشدها استجاشة للذكرى والعبرة والخشوع .
وإلى جوار القرى الخاوية على عروشها . . الآبار المعطلة المهجورة تذكر بالورد والوراد ؛ وتتزاحم حولها الأخيلة وهي مهجورة خواء .
ثم إلى جوارها القصور المشيدة وهي خالية من السكان موحشة من الأحياء ، تطوف بها الرؤى والأشباح ، والذكريات والأطياف !
ثم قال تعالى : { وَكَأَيِّنْ{[20320]} مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } أي : كم من قرية أهلكتها { وَهِيَ ظَالِمَةٌ } ] {[20321]} أي : مكذبة لرسولها ، { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } قال الضحاك : سقوفها ، أي : قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها .
{ وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ } أي : لا يستقى منها ، ولا يَرِدُها أحد بعد كثرة وارديها والازدحام عليها .
{ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } قال عكرمة : يعني المُبَيّض بالجص .
وروي عن علي بن أبي طالب ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبي المَلِيح ، والضحاك ، نحو ذلك .
وقال آخرون : هو المُنيف المرتفع .
وقال آخرون : الشديد المنيع الحصين .
وكل هذه الأقوال متقاربة ، ولا منافاة بينها ، فإنه لم يَحْمِ أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ، ولا إحكامه ولا حصانته ، عن حلول بأس الله بهم ، كما قال تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ] .
{ كأين } هي كاف التشبيه دخلت على «أي » قال سيبويه وقد أوعبت القول في هذه اللفظة وقراءتها في سورة آل عمران في قوله { وكأين من نبي قاتل }{[8399]} [ آل عمران : 146 ] ، وهي لفظة إخبار وقد تجيء استفهاماً ، وحكى الفراء «كأين ما لك » ، وقرأت فرقة «أهلكناها » ، وقرأت فرقة «أهلكتها » ، بالإفراد والمراد أهل القرية و { ظالمة } معناه بالكفر ، و { خاوية } ، معناه خالية ومنه خوى النجم اذا خلا من النور ، ونحوه ساقطة { على عروشها } ، والعرش السقوف والمعنى أن السقوف سقطت ثم وقعت الحيطان عليها فهي على العروش ، { وبئر } ، قيل هو معطوف على «العروش » وقيل على «القرية » وهو أصوب{[8400]} ، وقرأت فرقة «وبيئر » بهمزة وسهلها الجمهور ، وقرأت فرقة «مَعْطَلة » بفتح الميم وسكون العين وفتح الطاء وتخفيفها ، والجمهور على «مُعَطّلة » بضم الميم وفتح العين وشد الطاء ، و «المشيد » المبني بالشيد وهو الجص ، وقيل «المشيد » المعلى بالآجر ونحو : فمن الشيد قول عدي بن زيد :
شاده مرمراً وجلله كلساً . . . فللطير في ذراه وكور{[8401]}
شاد : بنى بالشيد ، والأظهر في البيت أنه أراد علاه بالمرمر ، وقالت فرقة في هذه الآية إن { مشيد } معناه معلى محصناً ، وجملة معنى الآية تقتضي أنه كان كذلك قبل خرابه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.