الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرٖ مُّعَطَّلَةٖ وَقَصۡرٖ مَّشِيدٍ} (45)

كل مرتفع أظلك من سقف بيت أو خيمة أو ظلة أو كرم فهو «عرش » والخاوي : الساقط ، من خوى النجم إذا سقط . أو الخالي ، من خوى المنزل إذا خلا من أهله . وخوى بطن الحامل وقوله : { على عُرُوشِهَا } لا يخلو من أن يتعلق بخاوية ، فيكون المعنى أنها ساقطة على سقوفها ، أي خرّت سقوفها على الأرض ، ثم تهدّمت حيطانها فسقطت فوق السقوف . أو أنها ساقطة أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها . وإما أن يكون خبراً بعد خبر ، كأنه قيل : هي خالية ، وهي على عروشها أي قائمة مطلة على عروشها ، على معنى أنّ السقوف سقطت إلى الأرض فصارت في قرار الحيطان وبقيت الحيطان ماثلة فهي مشرفة على السقوف الساقطة . فإت قلت : ما محلّ الجملتين من الإعراب أعني : { وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ } ؟ قلت : الأولى في محل النصب على الحال ، والثانية لا محلّ لها لأنها معطوفة على أهلكناها ، وهذا الفعل ليس له محلّ [ ( وبئر معطلة ) ] وقرأ الحسن : معطلة ، من أعطله بمعنى عطله . ومعنى المعطلة : أنها عامرة فيها الماء ، ومعها آلات الاستقاء ؛ إلا أنها عطلت ، أي : تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها ( وقصر مشيد ) والمشيد : المجصص أو المرفوع البنيان . والمعنى : كم قرية أهلكنا ؟ وكم بئر عطلنا عن سقاتها ؟ وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه ؟ فترك ذلك لدلالة معطلة عليه . وفي هذا دليل على أنّ { على عُرُوشِهَا } بمعنى «مع » أوجه . روي : أنّ هذه بئر نزل عليها صالح عليه السلام مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به . ونجاهم الله من العذاب ، وهي بحضرموت . وإنما سميت بذلك لأنّ صالحاً حين حضرها مات ، وثمة بلدة عند البئر اسمها «حاضوراء » بناها قوم صالح ، وأمّروا عليهم جلهس بن جلاس ، وأقاموا بها زماناً ثم كفروا وعبدوا صنماً ، وأرسل الله إِليهم حنظلة ابن صفوان نبياً فقتلوه ، فأهلكهم الله وعطل بئرهم وخرّب قصورهم .