الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرٖ مُّعَطَّلَةٖ وَقَصۡرٖ مَّشِيدٍ} (45)

قوله : { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } : يجوز أن تكونَ " كأيِّنْ " منصوبةً المحل على الاشتغالِ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسره " أهلكناها " وأَنْ يكونَ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ ، والخبر " أَهْلكناها " . وقد تقدَّم تحقيقُ القولِ فيها .

قوله : { وَهِيَ ظَالِمَةٌ } جملةٌ حالية مِنْ هاء " أَهْلكناها " .

قوله : { فَهِيَ خَاوِيَةٌ } عطفٌ على " أَهْلَكْناها " ، فيجوزُ أن تكونَ في محلِّ رفعٍ لعطفِها على الخبر على القول الثاني ، وأنْ لا يكونَ لها محلٌّ لعطفِها على الجملةِ المفسِّرة على القول الأول . وهذا عنى الزمخشريُّ بقوله : " والثانيةُ يعني قولَه : { فَهِيَ خَاوِيَةٌ } لا محلَّ لها لأنها معطوفةٌ على " أهلكناها " ، وهذا الفعلُ ليس له محلٌ تفريعاً/ على القولِ بالاشتغالِ . وإلاَّ فإذا قلنا : إنه خبرٌ ل " كأيِّن " كان له محلٌّ ضرورةً .

وقرأ أبو عمروٍ " أهلكتُها " . والباقون " أَهْلكناها " وهما واضحتان .

قوله : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } عطفٌ على " قريةٍ " ، وكذلك و " قَصْرٍ " أي : وكأيِّن من بئرٍ وقصرٍ أَهْلكناها أيضاً ، هذا هو الوجهُ . وفيه وجهٌ ثانٍ : أَنْ تكونَ معطوفةً وما بعدها على " عروشِها " أي : خاوية على بئرٍ وقصرٍ أيضاً . وليس بشيءٍ .

والبِئْرُ : مِنْ بَأَرْتُ الأرض أي حفرتُها . ومنه " التَّأْبِير " وهو شَقُّ . . . . . . الطلع . والبِئْر فِعْل بمعنى مَفْعول كالذِّبْح بمعنى المَذْبوح وهي مؤنثةٌ ، وقد تُذَكَّرُ على معنى القليب . وقوله :

3395 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وبِئْري ذو حَفَرْتُ وذو طَوَيْتُ

يَحتمل التذكيرَ والتأنيثَ . والمُعَطَّلَةُ : المُهْملة ، والتعطيل : الإِهمال . وقرىء " مُعْطَلَةٍ " بالتخفيف يقال : أَعْطَلْتُ البئر وعَطَّلْتُها فَعَطَلَت بفتح الطاء ، وأما عَطِلَتْ المرأةُ من الحُلِيَّ فبكسرِ الطاءِ . والمَشِيْدُ : قد تَقدَّم أنه المرتفعُ أو المُجَصَّصُ . وإنما بني هنا مِنْ شادَه ، وفي النساء مِنْ شَيَّده ؛ لأنه هناك بعد جمعٍ فناسَبَ التكثيرَ ، وهنا بعد مفردٍ فناسَب التخفيفَ ، ولأنه رأسُ آيةٍ وفاصلةٍ .