في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

71

ثم يمضي السياق يحاول أن يرفع ويطلق هؤلاء المبطئين المثقلين بالطين ! وأن يوقظ في حسهم التطلع إلى ما هو خير وأبقى . . الآخرة . . وأن يدفعهم إلى بيع الدنيا وشراء الآخرة . ويعدهم على ذلك فضل الله في الحالتين ، وإحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة :

( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة . ومن يقاتل في سبيل الله ، فيقتل أو يغلب ، فسوف نؤتيه أجرا عظيمًا ) . .

فليقاتل - في سبيل الله - فالإسلام لا يعرف قتالا إلا في هذا السبيل . لا يعرف القتال للغنيمة ولا يعرف القتال للسيطرة . ولا يعرف القتال للمجد الشخصي أو القومي !

إنه لا يقاتل للاستيلاء على الأرض ؛ ولا للاستيلاء على السكان . . لا يقاتل ليجد الخامات للصناعات ، والأسواق للمنتجات ؛ أو لرؤوس الأموال يستثمرها في المستعمرات وشبه المستعمرات !

إنه لا يقاتل لمجد شخص . ولا لمجد بيت . ولا لمجد طبقة . ولا لمجد دولة ، ولا لمجد أمة . ولا لمجد جنس . إنما يقاتل في سبيل الله . لإعلاء كلمة الله في الأرض . ولتمكين منهجه من تصريف الحياة . ولتمتيع البشرية بخيرات هذا المنهج ، وعدله المطلق " بين الناس " مع ترك كل فرد حرا في اختيار العقيدة التي يقتنع بها . . في ظل هذا المنهج الرباني الإنساني العالمي العام . .

وحين يخرج المسلم ليقاتل في سبيل الله ، بقصد إعلاء كلمة الله ، وتمكين منهجه في الحياة . ثم يقتل . . يكون شهيدا . وينال مقام الشهداء عند الله . . وحين يخرج لأي هدف آخر - غير هذا الهدف - لا يسمى " شهيدًا ولا ينتظر أجره عند الله ، بل عند صاحب الهدف الأخر الذي خرج له . . والذين يصفونه حينئذ بأنه " شهيد " يفترون على الله الكذب ؛ ويزكون أنفسهم أو غيرهم بغير ما يزكي به الله الناس . افتراء على الله !

فليقاتل في سبيل الله - بهذا التحديد . . من يريدون أن يبيعوا الدنيا ليشتروا بها الآخرة . ولهم - حينئذ - فضل من الله عظيم ؛ في كلتا الحالتين : سواء من يقتل في سبيل الله ؛ ومن يغلب في سبيل الله أيضا :

ومن يقاتل - في سبيل الله - فيقتل أو يغلب ، فسوف نؤتيه أجرا عظيمًا . .

بهذه اللمسة يتجه المنهج القرآني إلى رفع هذه النفوس ؛ وإلى تعليقها بالرجاء في فضل الله العظيم ، في كلتا الحالتين . وأن يهون عليها ما تخشاه من القتل ، وما ترجوه من الغنيمة كذلك ! فالحياة أو الغنيمة لا تساوي شيئا إلى جانب الفضل العظيم من الله . كما يتجه إلى تنفيرها من الصفقة الخاسرة إذا هي اشترت الدنيا بالآخرة ولم تشتر الآخرة بالدنيا [ ولفظ يشري من ألفاظ الضد فهي غالبا بمعنى يبيع ] فهي خاسرة سواء غنموا أو لم يغنموا في معارك الأرض . وأين الدنيا من الآخرة ؟ وأين غنيمة المال من فضل الله ؟ وهو يحتوي المال - فيما يحتويه - ويحتوي سواه ؟ !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

ثم قال تعالى : { فَلْيُقَاتِلْ } أي : المؤمن النافر { فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ } أي : يبيعون دينهم بعَرَض قليل من الدنيا ، وما ذلك{[7893]} إلا لكفرهم وعدم إيمانهم .

ثم قال تعالى : { وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } أي : كل من قاتل في سبيل الله - سواء قتل أو غَلَب وسَلَب - فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل ، كما ثبت في الصحيحين{[7894]} وتكفل الله للمجاهد في سبيله ، إن{[7895]} توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة .


[7893]:في د، ر: "وذاك".
[7894]:رواه البخاري في صحيحه برقم (7463، 7457) ومسلم في صحيحه برقم (1876) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[7895]:في د، ر، أ: "بأن".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

{ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } أي الذين يبيعونها بها ، والمعنى إن بطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة ، أو الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة وهم المبطئون ، والمعنى حثهم على ترك ما حكي عنهم . { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما } وعد له الأجر العظيم غلب أو غلب ، ترغيبا في القتال وتكذيبا لقولهم { قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا } وإنما قال { فيقتل أو يغلب } تنبيها على أن المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتى يعز نفسه بالشهادة أو الدين ، بالظفر والغلبة وأن لا يكون قصده بالذات إلى القتل ، بل إلى إعلاء كلمة الحق وإعزاز الدين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

هذا أمر من الله عز وجل للمؤمنين الذين وصفهم بالجهاد في سبيل الله ، و { يشرون } معناه : يبيعون في هذا الموضع ، وإن جاء في مواضع : يشترون ، فالمعنى هاهنا يدل على أنه بمعنى «يبيعون » ثم وصف الله ثواب المقاتل في سبيل الله ، فذكر غايتي حالتيه ، واكتفى بالغايتين عما بينهما ، وذلك أن غاية المغلوب في القتال أن يقتل ، وغاية الذي يقتل ويغنم أن يتصف بأنه غالب على الإطلاق ، «والأجر العظيم » : الجنة ، وقالت فرقة ، «فلْيقاتل » بسكون لام الأمر ، وقرأت فرقة «فلِيقاتل » بكسرها ، وقرأ محارب بن دثار «فيقتل أو يَغلب » على بناء الفعلين للفاعل ، وقرأ الجمهور { نؤتيه } بالنون ، وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف «فسوف يؤتيه » بالياء .