تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

الآية 74 وقوله تعالى : { فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } كأنه ، والله أعلم ، نهى المنافقين ( عن الخروج ) {[5942]} إلى الغزو كقوله{[5943]} تعالى : { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستئذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا } ( التوبة : 83 ) وأمر المؤمنين أن يخرجوا لذلك ، لأنه قال تعالى : { فليقتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } والمؤمنون هم الذين يشترون الحياة الدنيا .

وقوله عز وجل : { في سبيل الله } قيل : في إظهار دين الله ، وقيل : في طاعة الله تعالى ونصر أوليائه .

وقوله تعالى : { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما } في الآية دلالة أن بذل نفسه وما له لله تعالى غاية ما يجب أن يبذل استوجب العوض قبله ، وإن لم تتلف نفيه فيه ، ولا أحدث ؛ لأنه قال عز وجل : { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغيب } جعل لمن تتلف نفسه فيه ثواب ، والعوض ( للذي لم ) {[5944]} تتلف نفسه فيه . وكذلك قوله سبحانه وتعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون } ( التوبة : 111 )يجعل لمن قتل ، ولم يقتل فيه العوض .

فهذا يدل على مسائل الناس ؛ ذلك أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى زوجها في الوقت الذي كان عليها التسليم استوجب كمال الصداق ، وإن لم يقض الزواج منها . ومن ذلك البائع أيضا إذا سلم المبيع إلى المشتري كان مسلما{[5945]} ، وإن يقبض المشتري . وكذلك من صلى صلاة الظهر في منزله ، ثم خرج إلى الجمعة يصير وافضا للظهر لأن عليه الخروج إليها ، فيصير بالخروج إليها كالمباشر لها ، وإن لم يباشر على سبيل ما جعل الباذل نفسه لله ، والمسلم إليه ، كأنها أخذت منه في استيجاب العوض الذي وعد له .

فعلى ذلك يجب أن يجعل تسليم( الحق الذي ذكر ) {[5946]} كأخذ الحق منه ، وإن لم( يأخذه ، لا كالقيام ) {[5947]} إلى الخامسة ولا كالمتوجه إلى عرفات قبل فراغه من العمرة ، لأن( على ){[5948]} هؤلاء الفراغ مما كانوا فيه ، ثم التوجه إلى عرفات والقيام إلى الخامسة ، فلم يصح ذلك . وأما امرأة والبائع ومؤدي الظهر في منزله فعليهما{[5949]} التسليم والبذل ، لذلك كان ما ذكرنا ، والله أعلم . وفي الآية ( دليل ){[5950]} أن الله تعالى عامل عباده معاملة أهل الفضل والإحسان كأن لا حق له( إلا ){[5951]} معاملة ذي الحق ، وإن كانت الأنفس والأموال كلها له في الحقيقة حين فرض عليهم الجهاد ، وجعل لهم بذلك عوضا كقوله تعالى : { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما } وقوله{[5952]} عز وجل في آية أخرى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } ( التوبة : 111 ) من المؤمنين كثير ممن لا حق له فيها ، وهي له في الحقيقة ، ووعد لهم ذلك عوضا وأجرا عظيما .

وقوله تعالى : { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله } وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذ قيل لكم انفروا في سبيل الله } الآية ( التوبة : 38 ) مثل هذا لا يقال إلا لتفريط سبق منهم ، ثم لم ينزل اسم الإيمان فيهم {[5953]} بذلك ، وكان{[5954]} الجهاد فرضا عليهم . فهذا ينقض على من ( قال ) {[5955]} بخروج مرتكب الكبيرة من الإيمان .


[5942]:في الأصل وم: بالخروج.
[5943]:في الأصل وم: قوله.
[5944]:. في الأصل وم: الذي.
[5945]:في الأصل وم: الذي.
[5946]:في الأصل وم: ما ذكر الحق
[5947]:. في الأصل وم: يأخذ القيام
[5948]:. ساقطة من الأصل وم.
[5949]:في الأصل وم:عليهم.
[5950]:ساقطة من الأصل وم.
[5951]:في الأصل وم: لا.
[5952]:في الأصل وم:وقال الله.
[5953]:في الأصل وم: ومنهم.
[5954]:في الأصل وم: وما كان.
[5955]:ساقطة من الأصل وم.