الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

قوله تعالى : { الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ } : فاعل بقوله : { فَلْيُقَاتِلْ } و " يَشْرون " يحتمل وجهين ، أحدُهما : أن يكون بمعنى يشترون . فإنْ قيل : قد قررت أن الباء إنما تدخُل على المتروك ، والظاهرُ هنا أنها دَخَلَتْ على المأخوذِ . فالجوابُ : أنَّ المرادَ بالذين يشترون المنافقون المبطِّئُون عن الجهاد أمَروا بأَنْ يُغَيِّروا ما بهم من النفاق ، ويُخْلِصوا الإِيمانَ باللَّهِ ورسولِه ، ويجاهدوا في سبيلِ الله ، فلم تَدْخُلْ إلا على المتروك ؛ لأنَّ المنافقين تاركون للآخرة آخذون للدنيا . والثاني : أنَّ " يشرون " بمعنى يَبيعون ، ويكون المرادَ بالذين يَشْرُون : المؤمنون المتخلفون عن الجهاد المُؤْثِرون الآجلةَ على العاجلة ، ونظيرُ هذه الآية في كون " شرى " تحتمل الاشتراء والبيع باعتبارين قوله تعالى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [ يوسف : 20 ] وسيأتي . وقد تقدَّم لك شيءٌ من هذا في أول البقرة .

والجمهورُ على سكون لام " فَلْيقاتل " لأنها وقعت بعد الفاء فأشبهت اللفظة كتفاً . وقُرئ بكسرها وهو الأصل . والجمهور على بناء " فيُقْتل " للمفعول ، ومحارب بن دثار ببنائه للفاعل ، والأول أظهرُ ، لقوله : " أو يَغْلِب " ويُقْتَلْ " ويُغْلِب " عطفٌ على الشرط ، والفاء في " فسوف " جوابه ، لا يجوز حذفها . والمشهورُ إظهار هذه الباء عند الفاء ، وأدغمها أبو عمرو والكسائي وهشام وخَلاَّد بخلاف عنه . والجمهور على " نُؤْتيه " بنون العظمة ، وطلحة بن مصرف والأعمش بياء الغيبة ، وهما ظاهرتان .

وقدَّم قولَه : { فَيُقْتَلْ } لأنها درجةُ شهادة وهي أعظمُ من غيرها ، وثَنَّى بالغَلَبة وهي تشمل نوعين : قتلَ أعداءِ الله والظفرَ بالغنيمة ، والأولى أعظمُ من الثانية .