في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (78)

75

ثم يستطرد يقص على المسلمين من أحوال بني إسرائيل : إنهم فريقان . فريق أمي جاهل ، لا يدري شيئا من كتابهم الذي نزل عليهم ، ولا يعرف منه إلا أوهاما وظنونا ، وإلا أماني في النجاة من العذاب ، بما أنهم شعب الله المختار ، المغفور له كل ما يعمل وما يرتكب من آثام ! وفريق يستغل هذا الجهل وهذه الأمية فيزور على كتاب الله ، ويحرف الكلم عن مواضعه بالتأويلات المغرضة ، ويكتم منه ما يشاء ، ويبدي منه ما يشاء ويكتب كلاما من عند نفسه يذيعه في الناس باسم أنه من كتاب الله . . كل هذا ليربح ويكسب ، ويحتفظ بالرياسة والقيادة :

( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ، فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ، ثم يقولون : هذا من عند الله ، ليشتروا به ثمنا قليلا . فويل لهم مما كتبت أيديهم ، وويل لهم مما يكسبون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (78)

يقول تعالى : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } أي : ومن أهل الكتاب ، قاله مجاهد : والأميون جمع أمي ، وهو : الرجل الذي لا يحسن الكتابة ، قاله أبو العالية ، والربيع ، وقتادة ، وإبراهيم النَّخَعي ، وغير واحد {[2049]} وهو ظاهر في قوله تعالى : { لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ [ إِلا أَمَانِيَّ ] }{[2050]} أي : لا يدرون ما فيه . ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمي ؛ لأنه لم يكن يحسن الكتابة ، كما قال تعالى : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] وقال عليه الصلاة والسلام : " إنا أمة أمية ، لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا " الحديث . أي : لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ }

[ الجمعة : 2 ] .

وقال ابن جرير : نسبت العرب من لا يكتب ولا يَخُط من الرجال إلى أمِّه في جهله بالكتاب دون أبيه ، قال : وقد روي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما{[2051]} قول خلاف هذا ، وهو ما حدثنا به أبو كُرَيب : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } قال : الأميون قوم لم يصدِّقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابًا أنزله الله ، فكتبوا كتابًا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سَفلة جُهَّال : { هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين ، لجحودهم كتب الله ورسله . ثم قال ابن جرير : وهذا التأويل{[2052]} على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم . وذلك أن الأمي عند العرب : الذي لا يكتب{[2053]} .

قلت : ثم في صحة هذا عن ابن عباس ، بهذا الإسناد ، نظر . والله أعلم .

قوله{[2054]} تعالى : { إِلا أَمَانِيَّ } قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : { إِلا أَمَانِيَّ } إلا أحاديث .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : { إِلا أَمَانِيَّ } يقول : إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبًا . وقال مجاهد : إلا كذبًا . وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج عن مجاهد : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ } قال : أنَاس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا ، وكانوا يتكلمون بالظن{[2055]} بغير ما في كتاب الله ، ويقولون : هو من الكتاب ، أمانيّ يتمنونها . وعن الحسن البصري ، نحوه .

وقال أبو العالية ، والربيع وقتادة : { إِلا أَمَانِيَّ } يتمنون على الله ما ليس لهم .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { إِلا أَمَانِيَّ } قال : تمنوا فقالوا : نحن من أهل الكتاب . وليسوا منهم .

قال ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس ، وقال مجاهد : إن الأميين الذين وصفهم الله أنهم لا يفقهون من الكتاب - الذي أنزل{[2056]} الله على موسى - شيئًا ، ولكنهم يَتَخَرَّصُون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذبًا وزورًا . والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه . ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : " ما تغنيت ولا تمنيت " . يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب{[2057]} .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ } ولا يدرون ما فيه ، وهم يجحدون{[2058]} نبوتك بالظن .

وقال مجاهد : { وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ } يكذبون .

وقال قتادة : وأبو العالية ، والربيع : يظنون الظنون بغير الحق .


[2049]:في أ: "وإبراهيم النخغي وغيرهم".
[2050]:زيادة من جـ، ط، ب
[2051]:في ط: "رضي الله عنه".
[2052]:في جـ، ط، ب، أ، و: "وهذا التأويل تأويل".
[2053]:تفسير الطبري (2/259).
[2054]:في جـ، ط: "وقوله".
[2055]:في جـ: "يتكلمون الظن".
[2056]:في جـ، ط، ب: "الذي أنزله".
[2057]:تفسير الطبري (1/262).
[2058]:في أ، و: "وهم يجدون".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (78)

{ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب } جهلة لا يعرفون الكتابة فيطالعوا التوراة ، ويتحققوا ما فيها . أو التوراة { إلا أماني } استثناء منقطع . والأماني : جمع أمنية وهي في الأصل ما يقدره الإنسان في نفسه من منى إذا قدر ، ولذلك تطلق ، على الكذب وعلى ما يتمنى وما يقرأ والمعنى لكن يعتقدون أكاذيب أخذوها تقليدا من المحرفين أو مواعيد فارغة . سمعوها منهم من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة . وقيل إلا ما يقرأون قراءة عارية عن معرفة المعنى وتدبره من قوله :

تمنى كتاب الله أول ليله *** تمني داود الزبور على رسل

وهو لا يناسب وصفهم بأنهم أميون . { وإن هم إلا يظنون } ما هم إلا قوم يظنون لا علم لهم ، وقد يطلق الظن بإزاء العلم على كل رأي واعتقاد من غير قاطع ، وإن جزم به صاحبه : كاعتقاد المقلد والزائغ عن الحق لشبهة .