الأميّ : الذي لا يقرأ في كتاب ولا يكتب ، نسب إلى الأم لأنه ليس من شغل النساء أن يكتبن أو يقرأن في كتاب ، أو لأنه بحال ولدته أمه لم ينتقل عنها ، أو نسب إلى الأمة ، وهي القامة والخلقة ، أو إلى الأمة ، إذ هي ساذجة قبل أن تعرف المعارف .
الأماني : جمع أمنية ، وهي أفعولة ، أصله : أمنوية ، اجتمت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وهي من منى ، إذا قدّر ، لأن المتمني يقدر في نفسه ويحزر ما يتمناه ، أو من تمنى : أي كذب .
قال أعرابي لابن دأب في شيء حدث به : أهذا شيء رويته أم تمنيته ؟ أي اختلقته .
وقال عثمان : ما تمنيت ولا تغنيت منذ أسلمت ، أو من تمني إذا تلا ، قال تعالى : { إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } أي إذا تلا وقرأ ، وقال الشاعر :
تمنى كتاب الله أول ليله *** وآخره لاقى حمام المقادر
والتلاوة والكذب راجعان لمعنى التقدير ، فالتقدير أصله ، قال الشاعر :
ولا تقولن لشيء سوف أفعله *** حتى تبين ما يمنى لك الماني
أي يقدر ، وجمعها بتشديد الياء لأنه أفاعيل .
وإذا جمع على أفاعل خففت الياء ، والأصل التشديد ، لأن الياء الأولى في الجمع هي الواو التي كانت في المفرد التي انقلبت فيه ياء ، ألا ترى أن جمع أملود أماليد ؟
{ ومنهم أمّيون } : ظاهر الكلام أنها نزلت في اليهود المذكورين في الآية التي قبل هذه ، قاله ابن عباس .
وقيل : في المجوس ، قاله عليّ بن أبي طالب .
وقال عكرمة والضحاك : في نصارى العرب ، فإنهم كانوا لا يحسنون الكتابة .
وقيل : في قوم من أهل الكتاب ، رفع كتابهم لذنوب ارتكبوها ، فصاروا أمّيين .
وقيل : في قوم لم يؤمنوا بكتاب ولا برسول ، فكتبوا كتابهم وقالوا : هذا من عند الله ، فسموا : أمّيين ، لجحودهم الكتاب ، فصاروا بمنزلة من لا يحسن شيئاً .
والقول الأول هو الأظهر ، لأن سياق الكلام إنما هو مع اليهود ، فالضمير لهم .
ومناسبة ارتباط هذه الآية : أنه لما بين أمر الفرقة الضالة التي حرفت كتاب الله ، وهم قد عقلوه وعلموا بسوء مرتكبهم ، ثم بين أمر الفرقة الثانية ، المنافقين ، وأمر الثالثة : المجادلة ، أخذ يبين أمر الفرقة الرابعة ، وهي : العامة التي طريقها التقليد ، وقبول ما يقول لهم .
قال أبو العالية ومجاهد وغيرهما ومن هؤلاء اليهود المذكورون ، فالآية منبهة على عامتهم وأتباعهم ، أي أنهم لا يطمع في إيمانهم .
وقرأ أبو حياة وابن أبي عبلة : أميون ، بتخفيف الميم ، وقد تقدم أن الأمي هو الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب ، أي لا يحسنون الكتب ، فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها .
و { لا يعلمون الكتاب } : جملة في موضع الصفة ، والكتاب هو التوراة .
{ إلا أمانّي } : استثناء منقطع ، لأن الأماني ليست من جنس الكتاب ، ولا مندرجة تحت مدلوله ، وهو أحد قسمي الاستثناء المنقطع ، وهو الذي يتوجه عليه العامل .
ألا ترى أنه لو قيل لا يعلمون إلا أمانيّ لكان مستقيماً ؟ وهذا النوع من الاستثناء يجوز فيه وجهان ، أحدهما : النصب على الاستثناء ، وهي لغة أهل الحجاز والوجه الثاني : الاتباع على البدل بشرط التأخر ، وهي لغة تميم .
فنصب أماني من الوجهين ، والمعنى : إلا ما هم عليه من أمانيهم ، وأمانيهم أن الله يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم ، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، أو ما يمنيهم أحبارهم من أن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة ، أو لا يعلمون إلا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فنقلوها على التقليد ، قاله ابن عباس ومجاهد ، واختاره الفراء .
وقيل : معناه إلا تلاوة ، أي لا يعلمون فقه الكتاب ، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم .
قال أبو مسلم : حمله على تمني القلب أولى ، لقوله تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أ نصارى تلك أمانيهم } وقرأ الجمهور : أماني ، بالتشديد .
وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن جماز ، عن نافع وهارون ، عن أبي عمرو : أماني بالتخفيف ، جمعه على أفاعل ، ولم يعتد بحرف المد الذي في المفرد .
قال أبو حاتم : كل ما جاء من هذا النحو واحده مشدد ، فلك فيه التشديد والتخفيف مثل : أثافي ، وأغاني ، وأماني ، ونحوه .
قال الأخفش هذا ، كما يقال في جمع مفتاح مفاتيح ومفاتح ، وقال النحاس : الحذف في المعتل أكثر ، كما قال :
وهل رجع التسليم أو يكشف العمى***
{ وإن هم إلا يظنون } ، إن هنا : هي النافية ، بمعنى ما ، وهم : مرفوع بالابتداء ، وإلا يظنون : في موضع الخبر ، وهو من الاستثناء المفرغ .
وإذا كانت إن نافية ، فدخلت على المبتدأ والخبر ، لم يعمل عمل ما الحجازية ، وقد أجاز ذلك بعضهم ، ومن أجاز شرط نفي الخبر وتأخيره ، والصحيح أنه لا يجوز ، لأنه لم يحفظ من ذلك إلا بيت نادر وهو :
وقد نسب السهيلي وغيره إلى سيبويه جواز إعمالها إعمال ما ، وليس في كتابه نص على ذلك .
ومعنى يظنون ، قال مجاهد : يكذبون ، وقال آخرون : يتحدثون ، وقال آخرون : يشكون ، وهو التردد بين أمرين ، لا يترجح أحدهما على الناظر فيهما ، والأولى حمله على موضوعه الأصلي ، وهو الترجيح لأحد الأمرين على الآخر ، إذ لا يمكن حمله على اليقين ، ولا يلزم من الترجيح عندهم أن يكون ترجيحاً في نفس الأمر .
وقال مقاتل : معناه ليسوا على يقين ، إن كذب الرؤساء ، أو صدقوا ، بايعوهم .
وأتى بالخبر فعلاً مضارعاً ، ولم يأت باسم الفاعل ، لأنه يدل على حدوث الظن وتجدده لهم شيئاً فشيئاً ، فليسوا ثابتين على ظن واحد ، بل يتجدد لهم ظنون دالة على اضطراب عقائدهم واختلاف أهوائهم .
وفي هذه الآية دليل على أن المعارف كسببية ، وعلى بطلان التقليد ، وعلى أن المغتر بإضلال المضل مذموم ، وعلى أن الاكتفاء بالظن في الأصول غير جائز ، وعلى أن القول بغير دليل باطل ، وعلى أن ما تساوي وجوده وعدمه لا يجوز المصير إلى أحدهما إلا بدليل سمعي ، وتمسك بها أيضاً منكرو القياس ، وخبر الواحد ، لأنهما لا يفيدان العلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.