في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرٖ مُّعَطَّلَةٖ وَقَصۡرٖ مَّشِيدٍ} (45)

42

وبعد الاستعراض السريع لمصارع أولئك الأقوام يعمم في عرض مصارع الغابرين :

فكأي من قرية أهلكناها وهي ظالمة ، فهي خاوية على عروشها ؛ وبئر معطلة ، وقصر مشيد .

فهي كثيرة تلك القرى المهلكة بظلمها . والتعبير يعرض مصارعها في مشهد شاخص مؤثر : ( فهي خاوية على عروشها ) . . والعروش السقوف ، وتكون قائمة على الجدران عند قيام البناء . فإذا تهدم خرت العروش

وسقطت فوقها البنيان ، وكان منظرها هكذا موحشا كئيبا مؤثرا . داعيا إلى التأمل في صورتها الخالية وصورتها البادية . والربوع الخربة أوحش شيء للنفس وأشدها استجاشة للذكرى والعبرة والخشوع .

وإلى جوار القرى الخاوية على عروشها . . الآبار المعطلة المهجورة تذكر بالورد والوراد ؛ وتتزاحم حولها الأخيلة وهي مهجورة خواء .

ثم إلى جوارها القصور المشيدة وهي خالية من السكان موحشة من الأحياء ، تطوف بها الرؤى والأشباح ، والذكريات والأطياف !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرٖ مُّعَطَّلَةٖ وَقَصۡرٖ مَّشِيدٍ} (45)

ثم قال تعالى : { وَكَأَيِّنْ{[20320]} مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } أي : كم من قرية أهلكتها { وَهِيَ ظَالِمَةٌ } ] {[20321]} أي : مكذبة لرسولها ، { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } قال الضحاك : سقوفها ، أي : قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها .

{ وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ } أي : لا يستقى منها ، ولا يَرِدُها أحد بعد كثرة وارديها والازدحام عليها .

{ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } قال عكرمة : يعني المُبَيّض بالجص .

وروي عن علي بن أبي طالب ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبي المَلِيح ، والضحاك ، نحو ذلك .

وقال آخرون : هو المُنيف المرتفع .

وقال آخرون : الشديد المنيع الحصين .

وكل هذه الأقوال متقاربة ، ولا منافاة بينها ، فإنه لم يَحْمِ أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ، ولا إحكامه ولا حصانته ، عن حلول بأس الله بهم ، كما قال تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ] .


[20320]:- في ت ، ف : "وكأين".
[20321]:- زيادة من ف ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرٖ مُّعَطَّلَةٖ وَقَصۡرٖ مَّشِيدٍ} (45)

{ فكأين من قرية أهلكناها } بإهلاك أهلها ، وقرأ البصريان بغير لفظ التعظيم . { وهي ظالمة } أي أهلها . { فهي خاوية على عروشها } ساقطة حيطانها على سقوفها بأن تعطل بنيانها فخرت سقوفها ثم انهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ، أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها فيكون الجار متعلقا ب { خاوية } ، ويجوز أن يكون خبر بعد خبر أي هي خالية وهي على عروشها أي مطلة عليها بأن سقطت وبقيت الحيطان مائلة مشرفة عليها والجملة معطوفة على { أهلكناها } لا على { وهي ظالمة } فإنها حال والإهلاك ليس حال خوائها فلا محل لها إن نصبت كأي بمقدر يفسره { أهلكناها } وإن رفعته بالابتداء فمحلها الرفع . { وبئر معطلة } عطف على { قرية } أي وكم بئر عامرة في البوادي تركت لا يستقي منها لهلاك أهلها ، وقرئ بالتخفيف ممن أعطله بمعنى عطله . { وقصر مشيد } مرفوع أو مجصص أخليناه عن ساكنيه ، وذلك يقوي أن معنى { خاوية على عروشها } خالية مع بقاء عروشها وقيل المراد ب { بئر } بئر في سفح جبل بحضرموت وبقصر قصر مشرف على قلته كان لقوم حنظلة بن صفوان من قوم صالح فلما قتلوه أهلكهم الله تعالى وعطلهما .