في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ} (55)

42

ويعقب السياق على تلك الآيات وما فيها من صيانة لدعوة الله من كيد الشيطان بأن الذين يكفرون بها مدحورون ينتظرهم العذاب المهين :

( ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم . الملك يومئذ لله يحكم بينهم . فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ) .

ذلك شأن الذين كفروا مع القرآن كله ، يذكره السياق بعد بيان موقفهم مما يلقي الشيطان في أمنيات الأنبياء والرسل ، لما بين الشأنين من تشابه واتصال . فهم لا يزالون في ريبة من القرآن وشك . منشأ هذه الريبة أن قلوبهم لم تخالطها بشاشته فتدرك ما فيه من حقيقة وصدق . ويظل هذا حالهم ( حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم )بعد قيام الساعة . ووصف هذا اليوم بالعقيم وصف يلقي ظلا خاصا . فهو يوم لا يعقب . . إنه اليوم الأخير . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ} (55)

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار : أنهم لا يزالون في مرية ، أي : في شك وريب من هذا القرآن ، قاله ابن جريج ، واختاره ابن جرير .

وقال سعيد بن جبير ، وابن زيد : { مِنْهُ } أي : مما ألقى الشيطان .

{ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً } : قال مجاهد : فجأة . وقال قتادة : { بَغْتَةً } ، بغت [ القوم ]{[20378]} أمر الله ، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم ، فلا تغتروا بالله ، إنه لا يغتر بالله{[20379]} إلا القوم الفاسقون .

55


[20378]:- في ت : "اليوم" والمثبت من ف ، أ.
[20379]:- في أ : "فلا يغتر به".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ} (55)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مّنْهُ حَتّىَ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } .

يقول تعالى ذكره : ولا يزال الذين كفرا بالله في شكّ .

ثم اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله : «منه » من ذكر ما هي ؟ فقال بعضهم : هي من ذكر قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «تلك الغرانيق العُلَى ، وإن شفاعتهن لترتجى » . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير : وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ من قوله : «تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن ترتجى » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال : مما جاء به إبليس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالة .

وقال آخرون : بل هي من ذكر سجود النبيّ صلى الله عليه وسلم في النجم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جُبير : وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال : في مِرْية من سجودك .

وقال آخرون : بل هي من ذكر القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال : من القرآن .

وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : هي كناية من ذكر القرآن الذي أحكم الله آياته وذلك أن ذلك من ذكر قوله : وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أنّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّكَ أقرب منه من ذكر قوله : فَيَنُسَخُ اللّهُ ما يُلْقي الشّيْطانُ والهاء من قوله «أنه » من ذكر القرآن ، فإلحاق الهاء في قوله : فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ بالهاء من قوله : أنّهُ الحَقّ مِنْ رَبّكَ أولى من إلحاقها ب «ما » التي في قوله : ما يُلْقِي الشّيْطانُ مع بُعد ما بينهما .

وقوله : حتى تَأْتيَهُمُ السّاعَةُ يقول : لا يزال هؤلاء الكفار في شك من أمر هذا القرآن إلى أن تأتيهم الساعة بَغْتَةً وهي ساعة حشر الناس لموقف الحساب بغتة ، يقول : فجأة . أوْ يَأْتيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ .

واختلف أهل التأويد في هذا اليوم أيّ يوم هو ؟ فقال بعضهم : هو يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا شيخ من أهل خراسان من الأزد يكني أبا ساسان ، قال : سألت الضحاك ، عن قوله : عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال : عذاب يوم لا ليلة بعده .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبوُ تمَيلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرِمة . أن يوم القيامة لا ليلة له .

وقال آخرون : بل عني به يوم بدر . وقالوا : إنما قيل له يوم عقيم ، أنهم لم ينظروا إلى الليل ، فكان لهم عقيما . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ يوم بدر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : أوْ يَأْتيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال ابن جُرَيج : يوم ليس فيه ليلة ، لم يناظروا إلى الليل . قال مجاهد : عذاب يوم عظيم .

قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، قال : قال مجاهد : يوم بدر .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو إدريس ، قال : أخبرنا الأعمش ، عن رجل ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله : عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال : يوم بدر .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، قوله : عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال : هو يوم بدر . ذكره عن أبيّ بن كعب .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال : هو يوم بدر . عن أبيّ بن كعب .

وهذا القول الثاني أولى بتأويل الاَية لأنه لا وجه لأن يقال : لا يزالون في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة ، أو تأتيهم الساعة وذلك أن الساعة هي يوم القيامة ، فإن كان اليوم العقيم أيضا هو يوم القيامة فإنما معناه ما قلنا من تكرير ذكر الساعة مرّتين باختلاف الألفاظ ، وذلك ما لا معنى له . فإذ كان ذلك كذلك ، فأولى التأويلين به أصحهما معنى وأشبههما بالمعروف في الخطاب ، وهو ما ذكرناه في معناه .

فتأويل الكلام إذن : ولا يزال الذين كفروا في مرية منه ، حتى تأتيهم الساعة بغتة فيصيروا إلى العذاب الدائم ، أو يأتيهم عذاب يوم عقيم له فلا ينظروا فيه إلى الليل ولا يؤخروا فيه إلى المساء ، لكنهم يقتلون قبل المساء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ} (55)

لمّا حكى عن الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم أن ما يلقيه لهم الشيطان من إبطال ما جاءت به الرّسل يكون عليهم فتنة . خصّ في هذه الآية الكافرين بالقرآن بعد أن عمّهم مع جملة الكافرين بالرسل ، فخصّهم بأنهم يستمر شكّهم فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويترددون في الإقدام على الإسلام إلى أن يُحال بينهم وبينه بحلول الساعة بغتة أو بحلول عذاب بهم قبل الساعة ، فالذين كفروا هنا هم مشركو العرب بقرينة المضارع في فعل { لا يزال } وفعل { حتى تأتيهم } الدّالين على استمرار ذلك في المستقبل .

ولأجل ذلك قال جمع من المفسرين : إن ضمير { في مرية منه } عائد إلى القرآن المفهوم من المقام ، والأظهر أنه عائد إلى ما عاد عليه ضمير { أنه الحق من ربك فيؤمنوا به } [ الحج : 54 ] .

و { الساعة } علَم بالغلبة على يوم القيامة في اصطلاح القرآن ، واليوم : يوم الحرب ، وقد شاع إطلاق اسم اليوم على وقت الحرب . ومنه دُعيت حروب العرب المشهورة « أيام العرب » .

والعقيم : المرأة التي لا تلد ؛ استعير العقيم للمشؤوم لأنهم يُعدّون المرأة التي لا تلد مشؤومة .

فالمعنى : يأتيهم يوم يُستأصلون فيه قتلاً : وهذا إنذار بيوم بدر .