في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

58

والله - سبحانه - يكشف عنهم هذا الرداء المستعار . ويخبر رسوله [ ص ] ، أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم . ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق ، والنصح لهم بالكف عن هذا الالتواء :

( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم . فأعرض عنهم وعظهم ، وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) . .

أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ؛ ويحتجون بهذه الحجج ، ويعتذرون بهذه المعاذير . والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . . ولكن السياسة التي كانت متبعة - في ذلك الوقت - مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم ، وأخذهم بالرفق ، واطراد الموعظة والتعليم . .

والتعبير العجيب :

وقل لهم . . في أنفسهم . . قولا بليغًا .

تعبير مصور . . كأنما القول يودع مباشرة في الأنفس ، ويستقر مباشرة في القلوب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

ثم قال تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } [ أي ]{[7826]} هذا الضرب من الناس هم المنافقون ، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك ، فإنه لا تخفى عليه خافية ، فاكتف به يا محمد فيهم ، فإن الله عالم بظواهرهم وبواطنهم ؛ ولهذا قال له : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي : لا تعنفهم على ما في قلوبهم { وَعِظْهُمْ } أي : وانههم{[7827]} على ما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر { وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا } أي : وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع{[7828]} لهم .


[7826]:زيادة من د، أ.
[7827]:في ر: "انههم".
[7828]:في ر: "وادع".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أُولََئِكَ الّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لّهُمْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { أولئك } هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك يا محمد صفتهم ، يعلم الله مّا في قلوبهم في احتكامهم إلى الطاغوت ، وتركهم الاحتكام إليك ، وصدودهم عنك من النفاق والزيغ ، وإن حلفوا بالله ما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ، { فأعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ } يقول : فدعهم فلا تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم ، ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس الله أن يحلّ بهم ، وعقوبته أن تنزل بدارهم ، وحَذّرْهُمْ من مكروه ما هم عله من الشكّ في أمر الله وأمر رسوله . { وقُلْ لَهُمْ في أَنْفُسَهِمْ قَوْلاً بَلِيغا } يقول : مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

وقوله تعالى : { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } تكذيب المنافقين المتقدم ذكرهم وتوعدهم ، أي فهو مجازيهم بما يعلم ، و { أعرض عنهم } يعني عن معاقبتهم ، وعن شغل البال بهم ، وعن قبول أيمانهم الكاذبة في قوله { يحلفون } وليس بالإعراض الذي هو القطيعة والهجر ، فإن قوله : { وعظهم } يمنع من ذلك ، { وعظهم } معناه بالتخويف من عذاب الله ، وغيره من المواعظ ، والقول البليغ اختلف فيه ، فقيل : هو الزجر والردع والكف بالبلاغة من القول ، وقيل : هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق ، قاله الحسن ، وهذا أبلغ ما يكون في نفوسهم ، والبلاغة : مأخوذة من بلوغ المراد بالقول ، وحكي عن مجاهد أن قوله : { في أنفسهم } ، متعلق بقوله : { مصيبة } وهو مؤخر بمعنى التقديم ، وهذا ضعيف{[4131]} .


[4131]:- قال بعض المفسرين: إن قوله: {في أنفسهم} متعلق بقوله تعالى: [قل] على أحد معنيين: أي: قل لهم خاليا بهم لا يكون معهم أحد من غيرهم لأن النصح إذا كان في السر كان أنجح، و[بليغا] –على هذا-مؤثرا- أو قل لهم في معنى أنفسهم النجسة المنطوية على النفاق قولا يبلغ منهم ما يزجرهم عن العودة إلى ما فعلوا، وقال الزمخشري: إن [في أنفسكم] متعلق بقوله: [بليغا]، أي: قولا بليغا في أنفسهم، مؤثرا في قلوبهم يغتمون به ويستشعرون منه الخوف، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم نفاق.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

قوله : { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } جاء باسم الإشارة لتمييزهم للسامعين أكمل تمييز ، لأنّهم قد حصل من ذكر صفاتهم مَا جعلهم كالمشاهدين ، وأراد بما في قلوبهم الكفر الذي أبطنوه وأمر رسوله بالإعراض عنهم .

وحقيقة الإعراض عدم الالتفات إلى الشيء بقصد التباعد عنه ، مشتقّ من العُرْض بضم العين وهوَ الجانب ، فلعلّ أصل الهمزة في فعل أعرض للدخول في الشيء ، أي دخل في عرض المكان ، أو الهمزة للصيرورة ، أي صار ذا عرض ، أي جانب ، أي أظهر جانبه لغيره ، ولم يُظهر له وجهَه ، ثم استعمل استعمالاً شائعاً في التَّرك والإمساك عن المخالطة والمحادثة ، لأنّه يتضمّن الإعراض غالباً ، يقال : أعرض عنه كما يقال : صدّ عنه ، كقوله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديث غيره } [ الأنعام : 68 ] ولذلك كثر هذا اللفظ في أشعار المتيَّمين رديفاً للصدود ، وهذا أقرب المعاني إلى المعنى الحقيقي ، فهو مجاز مرسل بعلاقة اللزوم ، وقد شاع ذلك في الكلام ثمّ أطلق على العفو وعدم المؤاخذة بتشبيه حالة من يعفو بحالة من لا يلتفت إلى الشيء فيوليه عُرض وجهه ، كما استعمل صَفَح في هذا المعنى مشتقّاً من صفحة الوجه ، أي جانبه ، وهو أبعد عن المعنى الحقيقي من الأوّل لأنّه مبني على التشبيه .

والوعظ : الأمر بفعل الخير وترك الشرّ بطريقة فيها تخويف وترقيق يحملان على الامتثال ، والاسم منه الموعظة ، وتقدّم آنفاً عند قوله تعالى : { إنّ الله نعمّا يعظكم به } [ النساء : 58 ] . فهذا الإعراض إعراض صفح أو إعراض عدم الحزن من صدودهم عنك ، أي لا تهتمّ بصدودهم ، فإنّ الله مجازيهم ، بدليل قوله : { وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً } ، وذلك إبلاغ لهم في المعذرة ، ورجاء لصلاح حالهم ، . شأن الناصح الساعي بكلّ وسيلة إلى الإرشاد والهدى .

والبليغ فعيل بمعنى بالغ بلوغاً شديداً بقوّة ، أي : بالغاً إلى نفوسهم متغلغلاً فيها . وقوله : { في أنفسهم } يجوز أن يتعلّق بقوله بليغاً ، وإنّما قدّم المجرور للاهتمام بإصلاح أنفسهم مع الرعاية على الفاصلة ، ويجوز أن يتعلق بفعل { قل لهم } ، أي قل لهم قولاً في شأن أنفسهم ، فظرفية ( في ) ظرفية مجازية ، شبّهت أنفسهم بظرف للقول .