في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

لذلك ، لعظم الجريمة ، يجبههم بأنهم قالوا كلمة الكفر ، وكفروا بعد إيمانهم الذي أظهروه ، وينذرهم بالعذاب ، الذي إن تخلف عن بعضهم لمسارعته إلى التوبة وإلى الإيمان الصحيح ، فإنه لن يصرف عن بعضهم الذي ظل على نفاقه واستهزائه بآيات اللّه ورسوله ، وبعقيدته ودينه :

( بأنهم كانوا مجرمين ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

وقوله : { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } أي : بهذا المقال الذي استهزأتم به { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً } أي : لا يُعْفى عن جميعكم ، ولا بد من عذاب بعضكم ، { بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } أي : مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مّنْكُمْ نُعَذّبْ طَآئِفَةً بِأَنّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الذين وصفت لك صفتهم : لا تَعْتَذِرُوا بالباطل ، فتقولوا كنا نخوض ونلعب . قَدْ كَفَرْتُمْ يقول : قد جحدتم الحقّ بقولكم ما قلتم في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به بَعْدَ إيمَانِكُمْ يقول : بعد تصديقكم به وإقراركم به . إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً وذُكر أنه عنى بالطائفة في هذا الموضع رجل واحد .

وكان ابن إسحاق يقول فيما :

حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذي عفي عنه فيما بلغني مخشي بن حمير الأشجعي حليف بني سلمة ، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حبان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ قال : طائفة : رجل .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إن نَعْفُ عن طائفة منكم بإنكاره ما أنكر عليكم من قبل الكفر ، نعذّب طائفة بكفره واستهزائه بآيات الله ورسوله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال بعضهم : كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث ، فيسير مجانبا لهم ، فنزلت : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً فسمي طائفة وهو واحد .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن تتب طائفة منكم فيعفو الله عنه ، يعذّب الله طائفة منكم بترك التوبة .

وأما قوله : إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ فإن معناه : نعذّب طائفة منهم باكتسابهم الجرم ، وهو الكفر بالله ، وطعنهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

وقوله تعالى : { لا تعتذروا } الآية ، المعنى قل لهم يا محمد لا تعتذروا على جهة التوبيخ كأنه قال لا تفعلوا ما لا ينفع .

ثم حكم عليهم بالكفر فقال لهم { قد كفرتم بعد إيمانكم } الذي زعمتموه ونطقتم به ، وقوله { عن طائفة منكم } يريد فيما ذكر المفسرون رجلاً واحداً قيل اسمه مخشن بن حفير قاله ابن إسحاق ، وقال ابن هشام : ويقال فيه مخشي ، وقال خليفة بن خياط في تاريخه : مخاشن بن حمير ، وذكر ابن عبد البر مخاشن الحميري وذكر جميعهم أنه استشهد باليمامة وكان قد تاب وتسمى عبد الرحمن ، فدعا الله أن يستشهد ، ويجهل أمره فكان ذلك باليمامة ولم يوجد جسده ، وذكر أيضاً ابن عبد البر محشي بن حمير بضم الحاء وفتح الميم وسكون الياء ولم يتقن القصة ، وكان محشي مع المنافقين الذين قالوا { إنما كنا نخوض ونلعب } فقيل كان منافقاً ثم تاب توبة صحيحة ، وقيل كن مسلماً مخلصاً إلا أنه سمع كلام المنافقين فضحك لهم ولم ينكر عليهم فعفا الله عنه في كلا الوجهين ، ثم أوجب العذاب لباقي المنافقين الذين قالوا ما تقدم ، وقرأ جميع السبعة سوى عاصم «إن يعف عن طائفة » بالياء «تعذب » بالتاء{[5770]} ، وقرأ الجحدري «إن يعف » بالياء على تقديره يعذب الله طائفة «بالنصب ، وقرأ عاصم وزيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن » إن نعف «بالنون » نعذب «بنون الجميع أيضا ً ، وقرأ مجاهد » إن تعفُ «بالتاء المضمومة على تقدير إن تعف هذه الذنوب » تعذب «بالتاء أيضاً .


[5770]:- قال أبو حيان في "البحر": ولقيني شيخنا الأديب أبو الحكم مالك بن المرحل المالقي بغرناطة فسألني: قراءة من تقرأ اليوم على الشيخ أبي جعفر الطباع؟ فقلت قراءة عاصم، فقال: لعاصم قراءة لغيرها مخالفة إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

{ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }

لمّا كان قولهم : { إنما كنا نخوض ونلعب } [ التوبة : 65 ] اعتذاراً عن مناجاتهم ، أي إظهاراً للعذر الذي تناجَوا من أجله ، وأنّه ما يحتاجه المتعَب : من الارتياح إلى المزح والحديثِ في غير الجدّ ، فلمّا كشف الله أمر استهزائهم ، أردفه بإظهار قلّة جدوى اعتذارهم إذ قد تلبّسوا بما هو أشنع وأكبر ممّا اعتذروا عنه ، وهو التباسهم بالكفر بعد إظهار الإيمان . g فإن الله لمّا أظهر نفاقهم . كان ما يصدر عنهم من الاستهزاء أهون فجملة { لا تعتذروا } من جملة القول الذي أمر الرسول أن يقوله ، وهي ارتقاء في توبيخهم ، فهي متضمّنة توكيداً لمضمون جملة { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون } [ التوبة : 65 ] ، مع زيادة ارتقاء في التوبيخ وارتقاء في مثالبهم بأنّهم تلبّسوا بما هو أشدّ وهو الكفر ، فلذلك قطعت الجملة عن التي قبلها ، على أنّ شأن الجمل الواقعة في مقام التوبيخ أن تقطع ولا تعطف لأنّ التوبيخ يقتضي التعْداد ، فتقع الجمل الموبَّخ بها موقع الأعداد المحسوبة نحو واحد ، اثنان ، فالمعنى لا حاجة بكم للاعتذار عن التناجي فإنّكم قد عُرفتم بما هو أعظم وأشنع .

والنهي مستعمل في التسوية وعدم الجدوى .

وجملة : { قد كفرتم بعد إيمانكم } في موضع العلّة من جملة : { لا تعتذروا } تعليلاً للنهي المستعمل في التسوية وعدم الجدوى .

وقوله : { قد كفرتم } يدلّ على وقوع الكفر في الماضي ، أي قبل الاستهزاء ، وذلك أنّه قد عُرف كفرهم من قبل . والمراد بإسناد الإيمان إليهم : إظهارُ الإيمان ، وإلاّ فَهُم لم يؤمنوا إيماناً صادقاً . والمراد بإيمانهم : إظهارهم الإيمان ، لا وقوع حقيقته . وقد أنبأ عن ذلك إضافة الإيمان إلى ضميرهم دون تعريف الإيمان باللام المفيدة للحقيقة ، أي بعد إيمان هو من شأنكم ، وهذا تعريض بأنّه الإيمان الصوري غير الحقّ ونظيره قوله تعالى الآتي { وكفروا بعد إسلامهم } [ التوبة : 74 ] وهذا من لطائف القرآن .

{ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } .

جاءت هذه الجملة على عادة القرآن في تعقيب النذارة بالتبشير للراغب في التوبة تذكيراً له بإمكان تدارك حاله .

ولمّا كان حال المنافقين عجيباً كانت البشارة لهم مخلوطة ببقية النذارة ، فأنبأهم أنّ طائفة منهم قد يُعفى عنها إذا طلبت سبب العفو : بإخلاص الإيمان ، وأنّ طائفة تَبْقى في حالة العذاب ، والمقام دالّ على أنّ ذلك لا يكون عبثاً ولا ترجيحاً بدون مُرجّح ، فما هو إلاّ أنّ طائفة مرجّوة الإيمان ، فيغفر عمّا قدّمته من النفاق ، وأخرى تصرّ على النفاق حتّى الموت ، فتصير إلى العذاب . والآيات الواردة بعد هذه تزيد ما دلَّ عليه المقام وضوحاً من قوله : { نسوا الله فنسيهم إلى قوله عذاب مقيم } [ التوبة : 67 ، 68 ] . وقوله بعد ذلك : { فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولّوا يعذّبهم الله عذاباً أليما في الدنيا والآخرة } [ التوبة : 74 ] .

وقد آمن بعض المنافقين بعد نزول هذه الآية ، وذكر المفسّرون من هذه الطائفة مخشيَّا بن حُمَيِّر الأشجعي لمّا سمع هذه الآية تاب من النفاق ، وحسن إسلامه ، فعدّ من الصحابة ، وقد جاهد يوم اليمامة واستشهد فيه ، وقد قيل : إنّه المقصود « بالطائفة » دون غيره فيكون من باب إطلاق لفظ الجماعة على الواحد في مقام الإخفاء والتعمية كقوله صلى الله عليه وسلم " مَا بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله " وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي المدينة بقية من المنافقين وكان عمر بن الخطاب في خلافته يتوسّمهم .

والباء في { بأنهم كانوا مجرمين } للسببية ، والمجرم الكافر .

وقرأ الجمهور { يُعفَ وتُعذبْ } ببناء الفعلين إلى النائب ، وقرأه عاصم بالبناء للفاعل وبنون العظمة في الفعلين ونصب { طائفة } الثاني .