في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

99

( فتعالى الله الملك الحق . ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه . وقل : رب زدني علما ) . .

فتعالى الله الملك الحق الذي تعنو له الوجوه ؛ ويخيب في حضرته الظالمون ويأمن في ظله المؤمنون الصالحون . . هو منزل هذا القرآن من عليائه ، فلا يعجل به لسانك ، فقد نزل القرآن لحكمة ، ولن يضيعه . إنما عليك أن تدعو ربك ليزيدك من العلم ، وأنت مطمئن إلى ما يعطيك ، لا تخشى عليه الذهاب . وما العلم إلا ما يعلمه الله فهو الباقي الذي ينفع ولا يضيع . ويثمر ولا يخيب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

{ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ } أي : تنزه وتقدس{[19514]} الملك الحق ، الذي هو حق ، ووعده حق ، ووعيده حق ، ورسله حق ، والجنة حق ، والنار حق ، وكل شيء منه حق . وعدله تعالى ألا يعذب أحدًا قبل الإنذار وبعثة الرسل والإعذار إلى خلقه ؛ لئلا يبقى لأحد حجة ولا شبهة .

وقوله : { وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } كقوله تعالى في سورة " لا أقسم بيوم القيامة " { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 16 - 19 ] ، وثبت في الصحيح عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج من الوحي شدّة ، فكان مما يحرّك لسانه ، فأنزل{[19515]} الله هذه الآية{[19516]} يعني : أنه ، عليه السلام ، كان إذا جاءه جبريل بالوحي ، كلما قال جبريل آية قالها معه ، من شدّة حرصه على حفظ{[19517]} القرآن ، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه ؛ لئلا يشق عليه . فقال : { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } أي : أن نجمعه في صدرك ، ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئًا ، { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } وقال في هذه الآية : { وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } أي : بل أنصت ، فإذا فرغ الملك من قراءته عليك فاقرأه بعده ، { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } أي : زدني منك علمًا .

قال ابن عُيَيْنَة ، رحمه الله : ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة [ من العلم ]{[19518]} حتى توفاه الله عز وجل .

ولهذا جاء في الحديث : " إن الله تابع الوحي على رسوله ، حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم{[19519]} وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ، حدثنا عبد الله بن نُمَيْر ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن ثابت ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم انفعني بما علَّمتني ، وعلمني ما ينفعني ، وزدني علمًا ، والحمد لله على كل حال " {[19520]} .

وأخرجه الترمذي ، عن أبي كُرَيْب ، عن عبد الله بن نُمَيْر ، به . وقال : غريب من هذا الوجه . ورواه البزار عن عمرو بن علي الفلاس ، عن أبي عاصم ، عن موسى بن عبيدة ، به . وزاد في آخره : " وأعوذ بالله من حال أهل النار " .


[19514]:في ف: "تقدس وتنزه".
[19515]:في ف: "فنزل".
[19516]:صحيح البخاري برقم (5) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[19517]:في ف، أ: "تحفظ".
[19518]:زيادة من ف.
[19519]:رواه البخاري في صحيحه برقم (4982) من حديث أنس رضي الله عنه.
[19520]:سنن ابن ماجه برقم (251) وسنن الترمذي برقم (3599).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَتَعَالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىَ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رّبّ زِدْنِي عِلْماً } .

يقول تعالى ذكره : فارتفع الذي له العبادة من جميع خلقه ، الملك الذي قهر سلطانه كلّ ملك وجبار ، الحقّ عما يصفه به المشركون من خلفه . " وَلا تَعْجَلْ بالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُهُ " : يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولا تعجل يا محمد بالقرآن ، فتقرئه أصحابك ، أو تقرأ عليهم ، من قبل أن يوحى إليك بيان معانيه ، فعوتب على إكتابه وإملائه ما كان الله ينزله عليه من كتابه مَنْ كان يُكْتِبه ذلك ، من قبل أن يبين له معانيه ، وقيل : لا تتله على أحد ، ولا تمله عليه ، حتى نبينه لك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " وَلا تَعْجَلْ بالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيَهُ " قال : لا تتله على أحد حتى نبينه لك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُريج ، قال : يقول : لا تتله على أحد حتى تتمه لك هكذا قال القاسم : حتى نتمه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وَلا تَعْجَلْ بالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُهُ " يعني : لا تعجل حتى نبينه لك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة " وَلا تَعْجَلْ بالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُهُ " : أي بيانه .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة " وَلا تَعْجَلْ بالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُهُ " قال : تبيانه .

حدثنا ابن المثنى وابن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة " مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُهُ " من قبل أن يبين لك بيانه .

وقوله : " وَقُلْ رَبّ زِدْنِي عِلْما " يقول تعالى ذكره : وقل يا محمد : ربّ زدني علما إلى ما علمتني أمره بمسألته من فوائده العلم ما لا يعلم .