في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

( كلا ! )في ردع وفي تحقير . . ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) !

وهم يعلمون مم خلقوا ! من ذلك الماء المهين الذي يعرفون ! والتعبير القرآني المبدع يلمسهم هذه اللمسة الخفية العميقة في الوقت ذاته ؛ فيمسح بها كبرياءهم مسحا ، وينكس بها خيلاءهم تنكيسا ، دون لفظة واحدة نابية ، أو تعبير واحد جارح . بينما هذه الإِشارة العابرة تصور الهوان والزهادة والرخص أكمل تصوير ! فكيف يطمعون أن يدخلوا جنة نعيم على الكفر وسوء الصنيع ? وهم مخلوقون مما يعلمون ! وهم أهون على الله من أن تكون لهم دالة عليه ، وخرق لسنته في الجزاء العادل باللظى وبالنعيم .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

{ إنا خلقناهم مما يعلمون } أي أنهم يعلمون أنا أنشأناهم إنشاء من مادة ضعيفة ؛ وهو حجة بينة على قدرتنا على إهلاكهم ، لكفرهم بالبعث والجزاء ، واستهزائهم بالرسول والقرآن ، وادعائهم دخول الجنة بطريق السخرية ، وعلى أن ننشئ بدلهم قوما آخرين خيرا منهم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

كلا : لا مطمعَ لهم في ذلك ولا نصيب . وكيف يطمعون في دخولِ الجنة ، وهم يكذّبون بالبعث والجزاء ؟ وقد خلقناهم من ماء مهين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

{ كلَّا } [ أي : ] ليس الأمر بأمانيهم ولا إدراك ما يشتهون بقوتهم .

{ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ } أي : من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب ، فهم ضعفاء ، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

{ كلا } لا يدخلونها . ثم ابتدأ فقال : { إنا خلقناهم مما يعلمون } أي : من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ، نبه الناس على أنهم خلقوا من أصل واحد وإنما يتفاضلون ويستوجبون الجنة بالإيمان والطاعة .

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا بن محمد بن فنجويه ، حدثنا موسى بن محمد بن علي ، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا جرير ابن عثمان الرحبي ، عن عبد الرحمن بن ميسرة ، عن جبير بن نفير ، عن بشر ابن جحاش القرشي قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم وبصق يوماً في كفه ووضع عليها إصبعه فقال : يقول الله عز وجل : ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سويتك وعدلتك ، ومشيت بين بردين ، وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق ، وأنى أوان الصدقة " . وقيل : معناه إنا خلقناهم من أجل ما يعملون وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب . وقيل : ما بمعنى من ، مجازه : إنا خلقناهم ممن يعلمون ويعقلون لا كالبهائم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

" كلا " لا يدخلونها . " إنا خلقناهم مما يعلمون " ثم ابتدأ فقال : " إنا خلقناهم مما يعلمون " أي إنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ، كما خلق سائر جنسهم . فليس لهم فضل يستوجبون به الجنة ، وإنما تستوجب بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى . وقيل : كانوا يستهزئون بفقراء المسلمين ويتكبرون عليهم . فقال : " إنا خلقناهم مما يعلمون " من القذر ، فلا يليق بهم هذا التكبر . وقال قتادة في هذه الآية : إنما خلقت يا ابن آدم من قذر فاتق الله . وروي أن مطرف بن عبدالله بن الشخير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مُِطْرَف{[15369]} خز وجبة خز فقال له : يا عبدالله ، ما هذه المشية التي يبغضها الله ؟ فقال له : أتعرفني ؟ قال نعم ، أولك نطفة مذرة{[15370]} ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بين ذلك{[15371]} تحمل العذرة . فمضى المهلب وترك مشيته . نظم الكلام محمود الوراق فقال :

عَجِبْتُ من مُعْجِبٍ بِصُورَتِه *** وكان في الأصل نطفةً مَذِرَهْ

وهو غدا بعد حسن صورته *** يصير في اللَّحْدِ جيفةً قَذِرَهْ

وهو على تِيهه ونخوته *** ما بين ثوبيه يحمل العَذِرَهْ

وقال آخر :

هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة *** وهو بخمسٍ من الأوساخ مضروب

أنف يسيل وأذنٌ ريحها سَهِكٌ{[15372]} *** والعين مُرْمَصة والثغر ملهوب

يا ابن التراب ومأكول التراب غدا *** قَصِّرْ فإنك مأكول ومشروب

وقيل : معناه من أجل ما يعلمون ، وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب . كقول الشاعر وهو الأعشى :

أأزمعت من آل ليلى ابتكارا *** وشطت على ذي هوىً أن تُزَارَا

أي من أجل ليلى .


[15369]:المطرف (بكسر الميم وضمها): واحد المطارف، وهي أردية من خز مربعة لها أعلام.
[15370]:المذر: الفساد.
[15371]:زيادة عن الخطيب الشربيني.
[15372]:السهك ـ محركة ـ ريح كريهة تجدها من الإنسان إذا عرق.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

ولما كان{[68484]} معنى الاستفهام الإنكاري المفيد للنفي : لا يدخل ، أكد ذلك مع إفهام الضجر والاستصغار بالإتيان بأم الزواجر والروادع فقال : { كلا } أي لا يكون ما طمعوا فيه أصلاً لأن ذلك تمن فارغ لا سبب له - بما دل عليه التعبير بالطمع دون الرجاء .

ولما كان الإنسان إذا أكثر من شيء وجعله ديدنه فساغ عندهم أن يقال : فلان خلق من كذا ، علل ذلك بقوله مؤكداً ، عدّاً لهم منكرين لأنهم مع علمهم بنقصانهم يدعون الكمال : { إنا } على ما لنا من العظمة { خلقناهم } بالعظمة التي لا يقدر أحد أن يقاويها فيصرف شيئاً{[68485]} من إرادته عن تلك الوجهة{[68486]} التي وجهته إليها إلى غيرها { مما يعلمون * } أي مما يستحي من ذكره ذاتاً ومعنى ، أما {[68487]}الذات فهو{[68488]} نطفة مذرة أخرجت من مخرج البول وغذيناها بدم الحيض ، فهي يتحلب منها البول والعذرة ، وأما المعنى فالهلع والجزع والمنع اللاتي هم موافقون على عدها نقائص ، فلا يصلحون لدار الكمال إلا بتزكية أنفسهم بما تقدم من هذه{[68489]} الخلال التي حض عليها الملك المتعال ، روى البغوي{[68490]} بسنده عن بشر بن جحاش{[68491]} رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وبصق يوماً في كفه ووضع عليها أصبعه فقال : " يقول الله عز وجل : ابن آدم ! أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين والأرض منك وئيد وجمعت ومنعت حتى إذا بلغت{[68492]} التراقي قلت : أتصدق ، وأنّى أوان الصدقة " " انتهى{[68493]} .


[68484]:- زيد من ظ وم.
[68485]:- من ظ وم، وفي الأصل: شيء.
[68486]:- من ظ وم، وفي الأصل: المواجهة.
[68487]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذات فهم.
[68488]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذات فهم.
[68489]:- من ظ وم، وفي الأصل: هذا.
[68490]:- في معالم التنزيل 7/ 127.
[68491]:- من ظ وم والمعالم، وفي الأصل: حجاج.
[68492]:- من ظ والمعالم، وفي الأصل وم: التقت.
[68493]:- سقط من ظ وم.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

قوله : { كلا } بل إن مردهم إلى النار وسوء المصير . قوله { إنا خلقناهم مما يعلمون } أي يعلمون أنا خلقناهم من نطفة من ماء مهين مستقذر . أفلا يدل ذلك على أنا قادرون على إحيائهم بعد الممات وبعثهم للحساب .