السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

وقوله تعالى : { كلا } ردع لهم عن طمعهم ودخولهم الجنة ، أي : لا يكون ما طمعوا فيه أصلاً ؛ لأنّ ذلك ثمن فارغ لا سبب له بما دل عليه التعبير بالطمع دون الرجاء . ثم علل ذلك بقوله تعالى : { إنا خلقناهم } أي : بالقدرة التي لا يقدر أحد أن يقاومها { مما يعلمون } أي : أنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة كما خلق سائر جنسهم ، فليس لهم فضل يستوجبون به الجنة ، وإنما تستوجب بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى . وقيل : كانوا يستهزؤون بفقراء المسلمين ويتكبرون عليهم فقال تعالى : { إنا خلقناهم مما يعلمون } أي : من القذر وهو منصبهم الذي لا منصب أوضع منه ولذلك أبهم وأخفى إشعاراً بأنه منصب يستحيا من ذكره ، فلا يليق بهم هذا التكبر ويدعون التقدم ويقولون : ندخل الجنة قبلهم .

قال قتادة في هذه الآية إنما خلقت يا ابن آدم من قذر ، فاتّقِ الله . وروي أنّ مطرّق بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز ، فقال له : يا عبد الله ما هذه المشية التي يبغضها الله تعالى ؟ فقال له : أتعرفني ؟ قال : نعم ، أوّلك نطفة مزرة وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة فمضى المهلب وترك مشيته .

فائدة : قال ابن عربي في «الفتوحات » : خلق الله الناس على أربعة أقسام : قسم لا من ذكر ولا من أنثى وهو آدم عليه السلام ، وقسم من ذكر فقط وهو حوّاء ، وقسم من أنثى فقط وهو عيسى عليه السلام ، وقسم من ذكر وأنثى وهو بقية الناس .