إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

{ كَلاَّ } ردعٌ لهم عن ذلكَ الطمعِ الفارغِ { إِنَّا خلقناهم ممَّا يَعْلَمُونَ } قيلَ هو تعليلٌ للردعِ والمَعْنَى إنا خلقناهُم من أجلِ ما يعلمونَ كما في قولِ الأَعْشَى : [ المتقارب ]

أَأَزْمَعْتَ مِنْ آلِ لَيْلَى ابتكارَا *** وَشَطَّتْ عَلَى ذِي هَوَى أنْ تَزَارَا{[799]}

وهو تكميلُ النفسِ بالإيمانِ والطاعةِ فمنْ لَمْ يستكملْهَا بذلكَ فهو بمعزلٍ من أنْ يُبوأ مبوأَ الكاملينَ فمن أينَ لهُم أن يطمعُوا في دخولِ الجنةِ وهم مكبونَ على الكفرِ والفسوقِ وإنكارِ البعثِ ، وقيل معناهُ إنَّا خلقناهُم مما يعلمونَ من نطفةٍ مذِرةٍ فمن أينَ يتشرفونَ ويدّعُونَ التقدمَ ويقولونَ لندخلنَّ الجنةَ قبلَهُم ، وقيلَ إنهم مخلوقونَ من نطفةٍ قذرةٍ لا تناسبُ عالمَ القدسِ فمتَى لم تستكملِ الإيمانَ والطاعةَ ولم تتخلقْ بالأخلاقِ الملكيةِ لم تستعدَّ لدخولِهَا ولا يَخْفَى ما في الكلِّ من التمحلِ والأقربُ أنَّه كلامٌ مستأنفٌ قد سبقَ تمهيداً لما بعدَهُ من بيانِ قدرتِهِ تعالَى على أنْ يُهلكهم لكُفرِهِم بالبعثِ والجزاءِ واستهزائِهِم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وبما نزلَ عليهِ منَ الوحيِ وادعائِهِم دخولَ الجنةِ بطريقِ السخريةِ وينشئ بدلَهُم قوماً آخرينَ فإن قدرَتَهُ تعالَى على ما يعلمونَ من النشأةِ الأُولى حجةٌ بينةٌ على قدرتِهِ تعالَى على ذَلكَ كما يفصحُ عنهُ .


[799]:ورد في ديوانه (ص95)؛ ولسان العرب (زمع) وتاج العروس (21/160) (زمع) وبلا نسبة في كتاب العين (1/368).