فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

ثم رد الله سبحانه عليهم فقال : { كلا إنا خلقناهم مما يعلمون } أي من القذر الذي يعلمون به يعني من النطفة المذرة ، وأبهم إشعارا بأنه منصب يستحي من ذكره فلا ينبغي لهم هذا التكبر ، وهذا استدلال بالنشأة الأولى على إمكان النشأة الثانية التي بنوا الطمع على فرضها فرضا محالا عندهم بعد ردعهم عنه ، وقيل المعنى إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون وهو امتثال الأمر والنهي وتكميل النفس بالعلم والعمل ، وتعريضهم للثواب والعقاب كما في قوله : { وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون } .

أخرج أحمد وابن ماجة وابن سعد وابن أبي عاصم والبارودي وابن قانع والحاكم والبيهقي في الشعب والضياء عن بشر بن جحاش قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { فما للذين كفروا إلى قوله مما يعلمون } ثم بزق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كفه ووضع عليها أصبعه وقال : " يقول الله ابن آدم أنىّ تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتى أوان الصدقة " ( {[1633]} ) .

قال ابن العربي في الفتوحات خلق الله تعالى الناس على أربعة أقسام قسم لا من ذكر ولا من أنثى وهو آدم عليه السلام وقسم من ذكر فقط وهو حواء وقسم من أنثى فقط وهو عيسى عليه السلام وقسم من ذكر وأنثى وهو بقية الناس .


[1633]:رواه أحمد في "المسند" 4/210 من حديث حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن مسيرة عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش، وإسناده حسن، ورواه الحاكم في "المستدرك" 2/502 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: صحيح ورواه ابن ماجة رقم(2707) وقال البوصيري في "الزوائد": إسناده صحيح. وأورده السيوطي في "الدر" 6/167 من رواية البيهقي في "شعب الإيمان".