البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

{ كلا } : ردّ وردع لطماعيتهم ، إذ أظهروا ذلك ، وإن كانوا لا يعتقدون صحة البعث ، ولا أن ثم جنة ولا ناراً .

{ إنا خلقناهم مما يعلمون } : أي أنشأناهم من نطفة مذرة ، فنحن قادرون على إعادتهم وبعثهم يوم القيامة ، وعلى الاستبدال بهم خيراً منهم ، قيل : بنفس الخلق ؛ ومنته عليهم بذلك يعطي الجنة ، بل بالإيمان والعمل الصالح .

وقال قتادة في تفسيرها : إنما خلقت من قذر يا ابن آدم .

وقال أنس : كان أبو بكر إذا خطبنا ذكر مناتن ابن آدم ومروره في مجرى البول مرتين ، وكذلك نطفة في الرحم ، ثم علقة ، ثم مضغة إلى أن يخرج فيتلوث في نجاسته طفلاً .

فلا يقلع أبو بكر حتى يقذر أحدنا نفسه ، فكأنه قيل : إذا كان خلقكم من نطفة مذرة ، فمن أين تتشرّفون وتدعون دخول الجنة قبل المؤمنين ؟ وأبهم في قوله : { مما يعلمون } ، وإن كان قد صرّح به في عدّة مواضع إحالة على تلك المواضع .

ورأى مطرف بن عبد الله بن الشخير المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز ، فقال له : يا عبد الله ، ما هذه المشية التي يبغضها الله تعالى ؟ فقال له : أتعرفني ؟ قال : نعم ، أوّلك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت تحمل عذرة . فمضى المهلب وترك مشيته .