تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
طبقت الأبواب ثم شدت بأوتاد من حديد من نار ، حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح ، ولا يخرج منها غم آخر الأبد . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : { فِي عَمَدٍ مُمَدّدَةٍ } ... اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ؛
فقال بعضهم : إنها عليهم مُؤصدة بعمد ممدّدة : أي مغلقة مطبقة عليهم ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنما دخلوا في عمد ، ثم مدّت عليهم تلك العمد بعماد ...
وقال آخرون : هي عَمَد يعذّبون بها ...
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : معناه أنهم يعذّبون بعمد في النار ، والله أعلم كيف تعذيبه إياهم بها ، ولم يأتنا خبر تقوم به الحجة بصفة تعذيبهم بها ، ولا وُضِعَ لنا عليها دليل ، فندرك به صفة ذلك ، فلا قول فيه ، غير الذي قلنا يصحّ عندنا ، والله أعلم .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والمعنى : أنه يؤكد يأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد ، فتؤصد عليهم الأبواب ، وتمدد على الأبواب العمد ، استيثاقاً في استيثاق . ويجوز أن يكون المعنى : إنها عليهم مؤصدة ، موثقين في عمد ممدّدة ، مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص . ...
.........................................................
المسألة الثانية : العمود كل مستطيل من خشب أو حديد ، وهو أصل للبناء ، يقال : عمود البيت للذي يقوم به البيت .
المسألة الثالثة : في تفسير الآية وجهان ؛
( الأول ) : أنها عمد أغلقت بها تلك الأبواب كنحو ما تغلق به الدروب ، وفي بمعنى الباء أي أنها عليهم مؤصدة بعمد مدت عليها ، ولم يقل : بعمد لأنها لكثرتها صارت كأن الباب فيها .
( والقول الثاني ) : أن يكون المعنى : { إنها عليهم مؤصدة } حال كونهم موثقين : { في عمد ممددة } ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ في } أي حال كونهم موثقين في { عمد } بفتحتين وبضمتين جمع عمود { ممددة } أي معترضة ، كأنها موضوعة على الأرض ، فهي في غاية المكنة ، فلا يستطيع الموثق بها على نوع حيلة في أمرها ، فهو تأكيد ليأسهم من الخروج بالإيثاق بعد الإيصاد ، وهذا أعظم الويل ، وأشد النكال ، فقد رجع آخرها على أولها ، وكان لمفصلها أشد التحام بموصلها ، ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
والمراد بذلك تصوير شدة إطباق النار على هؤلاء وإحكامها عليهم ، والمبالغة في ذلك ليودع في قلوبهم اليأس من الخلاص منها . وعلينا أن نؤمن بذلك ولا نبحث عن كون العمد من نار أو حديد ، ولا في أنها تمتد طولا أو عرضا ، ولا في أنها مشبهة لعمد الدنيا ؛ بل نكل أمر ذلك إلى الله ؛ لأن شأن الآخرة غير شأن الدنيا ، ولم يأتنا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم يبين ذلك ، فالكلام فيه قول بلا علم ، وافتراء على الله الكذب . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وكل هذه الأوصاف تقوية لتمثيل شدة الإِغلاظ عليهم بأقصى ما يبلغه متعارف الناس من الأحوال .
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهذه هي الصورة البائسة التي يعيش فيها هؤلاء الأغنياء الطغاة الذين استكبروا على رسالات الله ، فكفروا بها ، وكذبوا الرسل الذين جاءوا بها ... إنها صورة المصير الذليل الذي يريد الله أن يقدّمه إليهم ، وإلى الذين يريدون أن يقتدوا بهم ، ليتراجعوا عن ذلك ، فينفتحوا على الله ، وعلى الجانب الخيّر من الحياة ، في ما يؤكده الله من السير على الصراط المستقيم في ذلك كله . ...
{ في عمد ممددة } الفاء بمعنى الباء ، أي موصدة بعمد ممددة ، قاله ابن مسعود . وهي في قراءته " بعمد ممددة " . في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " ثم إن الله يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار ، ومسامير من نار ، وعمد من نار ، فتطبق عليهم بتلك الأطباق ، وتشد عليهم بتلك المسامير ، وتمد بتلك العبد ، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ، ولا يخرج منه غم ، وينساهم الرحمن على عرشه ، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ، ولا يستغيثون بعدها أبدا ، وينقطع الكلام ، فيكون كلامهم زفيرا وشهيقا ، فذلك قوله تعالى : { إنها عليهم مؤصدة . في عمد ممددة } " . وقال قتادة : " عمد " يعذبون بها ، واختاره الطبري . وقال ابن عباس : إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم . وقيل : قيود في أرجلهم ، قاله أبو صالح . وقال القشيري : والمعظم على أن العمد أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار ، وتشد تلك الأطباق بالأوتاد ، حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يدخل عليهم روح . وقيل : أبواب النار مطبقة عليهم وهم في عمد ، أي في سلاسل وأغلال مطولة ، وهي أحكم وأرسخ من القصيرة . وقيل : هم في عمد ممددة ، أي في عذابها وآلامها يضربون بها . وقيل : المعنى في دهر ممدود ، أي لا انقطاع له . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم " في عمد " بضم العين والميم : جمع عمود . وكذلك " عمد " أيضا . قال الفراء : والعمد : جمعان صحيحان لعمود ، مثل أديم أدم وأدم ، وأفيق{[16374]} وأفق وأفق . أبو عبيدة : عمد : جمع عماد ، مثل إهاب . واختار أبو عبيد " عمد " بفتحتين . وكذلك أبو حاتم ، اعتبارا بقوله تعالى : { رفع السموات بغير عمد ترونها }{[16375]} [ الرعد : 2 ] . وأجمعوا على فتحها . قال الجوهري : العمود : عمود البيت ، وجمع القلة : أعمدة ، وجمع الكثرة عمد ، وعمد ، وقرئ بهما قوله تعالى : " في عمود ممددة " . وقال أبو عبيدة : العمود ، كل مستطيل من خشب أو حديد ، وهو أصل للبناء مثل العماد . عمدت الشيء فانعمد ، أي أقمته بعماد يعتمد عليه . وأعمدته جعلت تحته عمدا . والله أعلم .
ولما كانت عادتهم في المنع من التصرف أن يضعوا خشبة عظيمة تسمى المقطرة فيها حلق توثق فيها الرجل ، فلا يقدر صاحبها بعد ذلك على حراك ، قال مصوراً لعذابهم بحال من ضمير " عليهم " : { في } أي حال كونهم موثقين في { عمد } بفتحتين وبضمتين جمع عمود { ممددة * } أي معترضة ، كأنها موضوعة على الأرض ، فهي في غاية المكنة ، فلا يستطيع الموثق بها على نوع حيلة في أمرها ، فهو تأكيد ليأسهم من الخروج بالإيثاق بعد الإيصاد ، وهذا أعظم الويل ، وأشد النكال ، فقد رجع آخرها على أولها ، وكان لمفصلها أشد التحام بموصلها ، والله الموفق للصواب ، وإليه المرجع والمآب .