في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

16

وبعد هذا العرض السريع يجيء الهتاف الأخير للذين آمنوا ، وهم الحلقة الأخيرة في سلسلة المؤمنين برسالة الله في تاريخها الطويل ؛ وورثة هذه الرسالة الذين يقومون عليها إلى يوم الدين :

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ، ويجعل لكم نورا تمشون به ، ويغفر لكم ، والله غفور رحيم . لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله ، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ) . .

ونداؤهم على هذا النحو : يا أيها الذين آمنوا فيه لمسة خاصة لقلوبهم ، واستحياء لمعنى الإيمان ، وتذكير برعايته حق رعايته ؛ واستجاشة للصلة التي تربطهم بربهم الذي يناديهم هذا النداء الكريم الحبيب . وباسم هذه الصلة يدعوهم إلى تقوى الله والإيمان برسوله . فيبدو للإيمان المطلوب معنى خاص . . معنى حقيقة الإيمان وما ينبثق عنها من آثار .

اتقوا الله وآمنوا برسوله . . ( يؤتكم كفلين من رحمته ) . . أي يعطكم نصيبين من رحمته وهو تعبير عجيب . فرحمة الله لا تتجزأ ، ومجرد مسها لإنسان يمنحه حقيقتها . ولكن في هذا التعبير زيادة امتداد للرحمة وزيادة فيض . .

( ويجعل لكم نورا تمشون به ) . وهي هبة لدنية يودعها الله القلوب التي تستشعر تقواه ، وتؤمن حق الإيمان برسوله . هبة تنير تلك القلوب فتشرق ، وترى الحقيقة من وراء الحجب والحواجز ، ومن وراء الأشكال والمظاهر ؛ فلا تتخبط ، ولا تلتوي بها الطريق . . ( نورا تمشون به ) . .

( ويغفر لكم . والله غفور رحيم ) . . . فالإنسان إنسان مهما وهب من النور . إنسان يقصر حتى لو عرف الطريق . إنسان يحتاج إلى المغفرة فتدركه رحمة الله . . ( والله غفور رحيم ) . .

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله ) . لتنالوا كفلين من رحمة الله . ويكون لكم ذلك النور تمشون به . وتدرككم رحمة الله بالمغفرة من الذنب والتقصير . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

{ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله . . . } أي اثبتوا على التقوى والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ، يؤتيكم نصيبين من الأجر : نصيبا على الإيمان به ونصيبا على الإيمان بالرسل السابقين . كما أعطى الله مؤمني أهل الكتاب نصيبين من الأجر : أحدهما للإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ، والآخر للإيمان بالرسول السابق الذي نسخت شريعته بالشريعة المحمدية . نزلت حين افتخر مؤمنا أهل الكتاب على الصحابة بأن لهم أجرين ؛ كما قال تعالى في حقهم : " أولئك يؤتون أجرهم مرتين " {[351]} وأن المؤمنين من غيرهم لهم أجر واحد . فجعل الله لهؤلاء أجرين مثلهم ، وزادهم النور يمشون به يوم القيامة . والكفل : النصيب [ آية 85 النساء ص 161 ] .


[351]:آية 54 القصص.
 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

الكِفل : النصيب .

{ يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله } واثبُتوا على إيمانكم برسوله يعطِكم نصيبَين من رحمته ويجعل لكم نوراً تهتدون به ، ويغفر لكم ذنوبكم { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

{ 28-29 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

وهذا الخطاب ، يحتمل أنه [ خطاب ] لأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام ، يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم ، بأن يتقوا الله فيتركوا معاصيه ، ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم الله { كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } أي : نصيبين من الأجر نصيب على إيمانهم بالأنبياء الأقدمين ، ونصيب على إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم .

ويحتمل أن يكون الأمر عاما يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم ، وهذا الظاهر ، وأن الله أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين ، ظاهره وباطنه ، أصوله وفروعه ، وأنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم ، أعطاهم الله { كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } لا يعلم وصفهما وقدرهما إلا الله تعالى أجر على الإيمان ، وأجر على التقوى ، أو أجر على امتثال الأوامر ، وأجر على اجتناب النواهي ، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى .

{ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ } أي : يعطيكم علما وهدى ونورا تمشون به في ظلمات الجهل ، ويغفر لكم السيئات .

{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فلا يستكثر{[998]}  هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم ، الذي عم فضله أهل السماوات والأرض ، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ولا أقل من ذلك .


[998]:- في ب: فلا يستغرب كثرة.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} يعني وحدوا الله {وآمنوا برسوله} يقول: صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي رسول {يؤتكم كفلين} يعني أجرين {من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به} يعني تمرون به على الصراط إلى الجنة نورا تهتدون به {ويغفر لكم} ذنوبكم {والله غفور} لذنوب المؤمنين {رحيم} بهم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين التوراة والإنجيل، خافوا الله بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله:"يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ": يُعطكم ضعفين من الأجر لإيمانكم بعيسى صلى الله عليه وسلم، والأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم حين بعث نبيا، وأصل الكِفل: الحظّ، وأصله: ما يكتفل به الراكبُ، فيحبسه ويحفظه عن السقوط، يقول: يُحَصّنكم هذا الكِفْل من العذاب، كما يُحَصّن الكِفْل الراكب من السقوط.

وقوله: "ويَجْعَلْ لَكُم نُورا تَمْشُونَ بِهِ "اختلف أهل التأويل في الذي عنى به النور في هذا الموضع؛ فقال بعضهم: عنى به القرآن...

وقال آخرون: عُنِي بالنور في هذا الموضع: الهدى...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نورا يمشون به، والقرآن، مع اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم نور لمن آمن بهما وصدّقهما وهدى، لأن من آمن بذلك، فقد اهتدى.

وقوله: "وَيَغْفِرْ لَكُمْ" يقول: ويصفح لكم عن ذنوبكم فيسترها عليكم. "وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" يقول تعالى ذكره: والله ذو مغفرة ورحمة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {ويجعل لكم نورا تمشون به} هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: النور كناية عما يبصر به، ويتضح، والمشي كناية عن الأمور؛ يقول، والله أعلم: يجعل ما تبصرون به السبيل، وتتضح لكم الأمور، وتزول عنكم الشبه، فيكون المشي كناية عن الأمور، والنور كناية عن البصر...

والثاني: على حقيقة إرادة المشي وحقيقة النور؛ وذلك يكون في الآخرة...

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

وفي قوله: {تمشون به} إعلام بأن تصرفهم، وتقلبهم الذي ينفعهم: إنما هو بالنور، وأن مشيهم بغير النور غير مجد عليهم. ولا نافع لهم، بل ضرره أكثر من نفعه.

وفيه: أن أهل النور هم أهل المشي في الناس، ومن سواهم أهل الزمانة والانقطاع. فلا مشي لقلوبهم، ولا لأحوالهم، ولا لأقوالهم، ولا لأقدامهم إلى الطاعات. وكذلك لا تمشي على الصراط إذا مشت بأهل الأنوار أقدامهم.

وفي قوله: {تمشون به} نكتة بديعة، وهي: أنهم يمشون على الصراط بأنوارهم، كما يمشون بها بين الناس في الدنيا. ومن لا نور له فإنه لا يستطيع أن ينقل قدما عن قدم على الصراط فلا يستطيع المشي أحوج ما يكون إليه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{اتقوا الله} أي خافوا عقابه فاجعلوا بينكم وبين سخطه -لأنه الملك الأعظم- وقاية بحفظ الأدب معه ولا تأمنوا مكره، فكونوا على حذر من أن يسلبكم ما وهبكم، فاتبعوا الرسول تسلموا، وحافظوا على اتباعه لئلا تهلكوا..

{وآمنوا برسوله} أي الذي لا رسول له الآن غيره، إيماناً مضموماً إلى إيمانكم بالله فإنه لا يصح الإيمان به إلا مع الإيمان برسوله،..

ولما كان الإنسان لا يخلو من نقصان، فلا يبلغ جميع ما يحق للرحمن، قال: {ويغفر لكم} أي ما فرط منكم من سهو وعمد وهزل وجد. ولما قرر سبحانه وذلك، أتبعه التعريف بأن الغفران وما يتبعه صفة له شاملة لمن يريده فقال: {والله} أي المحيط بجميع صفات الكمال والعظمة والكبرياء {غفور} أي بليغ المحو للذنب عيناً وأثراً {رحيم} أي بليغ الإكرام لمن يغفر له ويوفقه للعمل بما يرضيه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وبعد هذا العرض السريع يجيء الهتاف الأخير للذين آمنوا، وهم الحلقة الأخيرة في سلسلة المؤمنين برسالة الله في تاريخها الطويل؛ وورثة هذه الرسالة الذين يقومون عليها إلى يوم الدين:

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته، ويجعل لكم نورا تمشون به، ويغفر لكم، والله غفور رحيم. لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم)..

ونداؤهم على هذا النحو: يا أيها الذين آمنوا فيه لمسة خاصة لقلوبهم، واستحياء لمعنى الإيمان، وتذكير برعايته حق رعايته؛ واستجاشة للصلة التي تربطهم بربهم الذي يناديهم هذا النداء الكريم الحبيب. وباسم هذه الصلة يدعوهم إلى تقوى الله والإيمان برسوله. فيبدو للإيمان المطلوب معنى خاص.. معنى حقيقة الإيمان وما ينبثق عنها من آثار.

اتقوا الله وآمنوا برسوله.. (يؤتكم كفلين من رحمته).. أي يعطكم نصيبين من رحمته وهو تعبير عجيب. فرحمة الله لا تتجزأ، ومجرد مسها لإنسان يمنحه حقيقتها. ولكن في هذا التعبير زيادة امتداد للرحمة وزيادة فيض..

(ويجعل لكم نورا تمشون به). وهي هبة لدنية يودعها الله القلوب التي تستشعر تقواه، وتؤمن حق الإيمان برسوله. هبة تنير تلك القلوب فتشرق، وترى الحقيقة من وراء الحجب والحواجز، ومن وراء الأشكال والمظاهر؛ فلا تتخبط، ولا تلتوي بها الطريق.. (نورا تمشون به)..

(ويغفر لكم. والله غفور رحيم)... فالإنسان إنسان مهما وهب من النور. إنسان يقصر حتى لو عرف الطريق. إنسان يحتاج إلى المغفرة فتدركه رحمة الله.. (والله غفور رحيم)..

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله). لتنالوا كفلين من رحمة الله. ويكون لكم ذلك النور تمشون به. وتدرككم رحمة الله بالمغفرة من الذنب والتقصير..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

احتمل قوله: {يا أيها الذين آمنوا} أن يكون مستعملاً استعماله اللَّقبي أعني: كونه كالعلَم بالغلبة على مؤمني ملّة الإسلام. واحتمل أن يكون قد استُعمل استعمالَه اللُّغوي الأعَمَّ، أعني: من حصل منه إيمان، وهو هنا من آمن بعيسى. والأظهر أن هذين الاحتمالين مقصودَان ليأخذ خُلص النصارى من هذا الكلام حظهم وهو دعوتهم إلى الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ليستكملوا ما سبق من اتباعهم عيسى فيكون الخطاب موجهاً إلى الموجودين ممن آمنوا بعيسى، أي يا أيها الذين آمنوا إيماناً خالصاً بشريعة عيسى اتقوا الله واخشَوْا عقابه واتركوا العصبية والحسد وسوء النظر وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. وأما احتمال أن يراد بالذين آمنوا الإِطلاق اللقبي فيأخذَ منه المؤمنون من أهل الملة الإِسلامية بشارةً بأنهم لا يقلّ أجرهم عن أجر مؤمني أهل الكتاب لأنهم لما آمنوا بالرسل السابقين أعطاهم الله أجر مؤمني أهل مِللهم..ويكون إقحام الأمر بالتقوى في هذا الاحتمالِ قصداً لأن يحصل في الكلام أمر بشيء يتجدد ثم يُردفَ عليه أمر يفهم منه أن المراد به طلب الدوام وهذا من بديع نظم القرآن. ويتعلق {من رحمته} ب {يؤتكم}، و (من) ابتدائية مجازياً، أي ذلك من رحمة الله بكم..ويجوز أن يكون {من رحمته} صفةً ل {كفلين} وتكون (من) بيانية، والكلام على حذف مضاف، تقديره: من أثر رحمته، وهو ثواب الجنة ونعيمها.

وقوله: {ويجعل لكم نوراً تمشون به} تمثيل لحالة القوم الطالبين التحصيل على رضى الله تعالى والفوز بالنعيم الخائفين من الوقوع في ضد ذلك بحالة قوم يمشون في طريق بليل يخشون الخطأ فيه فيعطون نوراً يتبصرون بالثنايا فيأمنون الضلال فيه. والمعنى: ويجعل لكم حالة كحالة نور تمشون به...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

{ يا أيها الذين آمنوا } بالتوراة والانجيل { اتقوا الله وآمنوا برسوله } محمد عليه السلام { يؤتكم كفلين } نصيبين { من رحمته } نصيبا بايمانكم الأول ونصيبا بايمانكم بمحمد عليه السلام وكتابه { ويجعل لكم نورا تمشون به } في الآخرة على الصراط { ويغفر لكم } وعدهم الله هذه الأشياء كلها على الايمان بمحمد عليه السلام

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا " أي آمنوا بموسى وعيسى " اتقوا الله وآمنوا برسوله " بمحمد صلى الله عليه وسلم " يؤتكم كفلين من رحمته " أي مثلين من الأجر على إيمانكم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا مثل قوله تعالى : " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " [ القصص : 54 ] وقد تقدم القول{[14735]} فيه . والكفل الحظ والنصيب وقد مضى في " النساء{[14736]} " وهو في الأصل كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط ، قاله ابن جريج . ونحوه قال الأزهري ، قال : اشتقاقه من الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه إذا ارتدفه لئلا يسقط ، فتأويله يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي كما يحفظ الكفل الراكب . وقال أبو موسى الأشعري : " كفلين " ضعفين بلسان الحبشة . وعن ابن زيد : " كفلين " أجر الدنيا والآخرة . وقيل : لما نزلت " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " [ القصص : 54 ] افتخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية .

وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الحسنة إنما لها من الأجر مثل واحد ، فقال : الحسنة اسم عام ينطلق على كل نوع من الإيمان ، وينطلق على عمومه ، فإذا انطلقت الحسنة على نوع واحد فليس له عليها من الثواب إلا مثل واحد . وإن انطلقت على حسنة تشتمل على نوعين كان الثواب عليها مثلين ، بدليل هذه الآلة فإنه قال : " كفلين من رحمته " والكفل النصيب كالمثل ، فجعل لمن اتقى الله وآمن برسوله نصيبينا ، نصيبا لتقوى الله ونصيبا لإيمانه برسوله . فدل على أن الحسنة التي جعل لها عشر هي التي جمعت عشرة أنواع من الحسنات ، وهو الإيمان الذي جمع الله تعالى في صفته عشرة أنواع ، لقوله تعالى : " إن المسلمين والمسلمات " [ الأحزاب : 35 ] الآية بكمالها . فكانت هذه الأنواع العشرة التي هي ثوابها أمثالها فيكون لكل نوع منها مثل . وهذا تأويل فاسد ، لخروجه عن عموم الظاهر ، في قوله تعالى : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " [ الأنعام : 160 ] بما لا يحتمله تخصيص العموم ؛ لأن ما جمع عشر حسنات فليس يجزى عن كل حسنة إلا بمثلها . وبطل أن يكون جزاء الحسنة عشر أمثالها والأخبار دالة عليه . وقد تقدم ذكرها{[14737]} . ولو كان كما ذكر لما كان بين الحسنة والسيئة فرق .

قوله تعالى : " ويجعل لكم نورا " أي بيانا وهدى ، عن مجاهد . وقال ابن عباس : هو القرآن . وقيل : ضياء " تمشون به " في الآخرة على الصراط ، وفي القيامة إلى الجنة . وقيل تمشون به في الناس تدعونهم إلى الإسلام فتكونون رؤساء في دين الإسلام لا تزول عنكم رياسة كنتم فيها . وذلك أنهم خافوا أن تزول رياستهم لو آمنوا بمحمد عليه السلام . وإنما كان يفوتهم أخذ رشوة يسيرة من الضعفة بتحريف أحكام الله ، لا الرياسة الحقيقية في الدين . " ويغفر لكم " ذنوبكم " والله غفور رحيم " .


[14735]:راجع جـ 13 ص 297.
[14736]:راجع جـ 4 ص 295.
[14737]:راجع جـ 7 ص 150 وجـ 13 ص 244.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

ولما قرر سبحانه أن الرسل دعاة للحق إلى سيدهم طوعاً أو كرهاً بالكتاب والحديد ، وقرر أن السعادة كلها في اتباعهم ، وأن البدع لا تأتي بخير وإن زين الشيطان أمرها وخيل أنه خير ، وأن أصحاب الذي كان نسخ شريعة{[62844]} من قبله ابتدعوا بدعة حسنة فوكلوا إليها ففسق أكثرهم ، فاقتضى ذلك إرسال من ينسخ كل شريعة{[62845]} تقدمته نسخاً لا زوال له لأنه لا نبي بعده ونهى عن البدع نهياً لم يتقدمه أحد إلى مثله ، أنتج ذلك قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بذلك إقراراً صحيحاً بنبي مما تقدم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم { اتقوا الله } أي خافوا عقابه فاجعلوا بينكم وبين سخطه - لأنه الملك الأعظم - وقاية بحفظ الأدب معه ولا تأمنوا مكره ، فكونوا على حذر من{[62846]} أن يسلبكم ما وهبكم ، فاتبعوا الرسول تسلموا ، وحافظوا على اتباعه لئلا تهلكوا { وآمنوا برسوله } أي الذي لا رسول له الآن غيره ، إيماناً مضموماً إلى إيمانكم بالله فإنه{[62847]} لا يصح الإيمان به إلا مع الإيمان برسوله ، وبأن تثبتوا على الإيمان به ، وتضموا الإيمان به إلى الإيمان بمن تقدمه يا أهل الكتاب ، لأن رسالته عامة ، لقد نسخ جميع ما تقدمه من الأديان{[62848]} فإياكم أن يميلكم عنه ميل من حسد أو غيره ، فبادروا إلى إجابته والزموا {[62849]}جميعاً حذره{[62850]} فلا تميلوا إلى بدعة أصلاً { يؤتكم } ثواباً على اتباعه{[62851]} { كفلين } أي نصيبين ضخمين{[62852]} { من رحمته } تحصيناً لكم من العذاب كما يحصن الكفل الراكب من الوقوع ، وهو كساء يعقد على ظهر البعير فيلقى مقدمه على الكاهل ومؤخره على العجز ، وهذا التحصين{[62853]} لأجل إيمانكم به صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن تقدمه مع خفة العمل ورفع الأصار{[62854]} وهو أعلى{[62855]} بالأجر من الذي عمل الخير في الجاهلية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله{[62856]} عنه " أسلمت على ما أسلفت من خير " ودل على أن الكفلين برفع الدرجات وإفاضة خواص من الخيرات بقوله : { ويجعل لكم } أي مع ذلك { نوراً } مجازياً في الأولى بالتوفيق للعمل من المعلوم والمعارف القلبية وحسياً في الآخرة بسبب العمل { تمشون به } أي مجازاً في الأولى بالتوفيق للعمل ، وحقيقة في الآخرة بسبب العمل .

ولما كان الإنسان لا يخلو من نقصان ، فلا يبلغ جميع ما يحق للرحمن ، قال : { ويغفر لكم } أي ما{[62857]} فرط منكم من سهو وعمد وهزل وجد . ولما قرر سبحانه وذلك ، أتبعه التعريف بأن الغفران وما يتبعه صفة له شاملة لمن{[62858]} يريده فقال : { والله } أي المحيط بجميع صفات الكمال{[62859]} والعظمة والكبرياء{[62860]} { غفور } أي بليغ المحو للذنب عيناً وأثراً { رحيم * } أي بليغ الإكرام لمن يغفر له ويوفقه للعمل بما يرضيه .


[62844]:- من ظ، وفي الأصل: شريعته.
[62845]:- من ظ، وفي الأصل: شريعته.
[62846]:- زيد من ظ.
[62847]:- زيد في الأصل و ظ: الأبا.
[62848]:- من ظ، وفي الأصل: الإيمان.
[62849]:- من ظ، وفي الأصل: جميع عدوه-كذا.
[62850]:- من ظ، وفي الأصل: جميع عدوه-كذا.
[62851]:-زيد في الأصل: وهو، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[62852]:- من ظ، وفي الأصل: صحيحيم.
[62853]:- من ظ، وفي الأصل: التحصيل.
[62854]:- من ظ، وفي الأصل: الأصل.
[62855]:-زيد من ظ.
[62856]:- من ظ، وفي الأصل: سال.
[62857]:- زيد من ظ.
[62858]:- من ظ وفي الأصل: ممن.
[62859]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62860]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.