الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ } محمّد ( عليه السلام ) { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ } : نصيبين { مِن رَّحْمَتِهِ } ؛ لإيمانكم بالأوّل وإيمانكم بالآخر .

وقال أبو موسى الأشعري : كفلين : ضعفين بلسان الحبشة .

قال ابن جبير : وأصله ما يكتفل به الراكب من الثياب والمتاع فيحبسه ويحفظه من السقوط ، يقول : يحصنكم هذا الكفل من العذاب كما يحصن الراكب الكفل من السقوط . ومنه الكفالة ؛ لأنّها تحصن الحقّ .

{ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } في الناس ، وعلى الصراط أحسن .

وقال ابن عباس : النور القرآن .

وقال مجاهد : الهدى والبيان ، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

قال سعيد بن جبير : بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفراً رضي الله عنه في سبعين راكباً للنجاشي يدعوه ، فقدم عليه فدعاه فاستجاب له وآمن به ، فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممّن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا : ايذن لنا فنأتي هذا النبيّ صلى الله عليه وسلم فنلمّ به ونجدّف بهؤلاء في البحر ؛ فإنا أعلم بالبحر منهم . فقدموا مع جعفر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد تهيأ النبيّ صلى الله عليه وسلم ( عليه السلام ) لوقعة أحد ، فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة وشدّة الحال استأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ( عليه السلام ) فقالوا : يا رسول الله إنّ لنا أموالا ، ونحن نرى ما بالمسلمين من خصاصة ، فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها . . فأذن لهم فانصرفوا وأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين ، فأنزل الله سبحانه فيهم

{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [ القصص : 52 ] إلى قوله

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [ القصص : 54 ] فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن قوله :

{ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } [ القصص : 54 ] ، فجروا على المسلمين فقالوا : يا معشر المسلمين ، أما من آمن منّا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا ؟ فأنزل الله سبحانه : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } فجعل لهم أجرين وزادهم النور والمغفرة ثم قال : { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } ، وهكذا قرأها سعيد بن جبير { أَلاَّ يَقْدِرُونَ } الآية .

وروى حنان عن الكلبي قال : كان هؤلاء أربعة وعشرين رجلا قدموا من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، لم يكونوا يهوداً ولا نصارى ، وكانوا على دين الأنبياء فأسلموا ، فقال لهم أبو جهل : بئس القوم أنتم والوفد لقومكم . فردّوا عليه :

{ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقِّ } [ المائدة : 84 ] ، فجعل الله سبحانه لهم والمؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه أجرين اثنين ، فجعلوا يفخرون على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : نحن أفضل منكم لنا أجران ولكم أجر واحد ، فأنزل الله سبحانه : { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } الآية .