محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

{ يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم } قال ابن كثير حمل ابن عباس هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الآية التي في ( القصص ) وكما في حديث{[6987]} الشعبي عن أبي بردة ، عن أبيه أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران وعبد مملوك أدى حق الله وحق مولاه فله أجران ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " أخرجاه في ( الصحيحين ) ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك وعتبة بن أبي حكيم وغيرهما وهو اختيار ابن جرير . {[6988]}

وقال سعيد بن جبير لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله تعالى هذه الآية في حق هذه الأمة والظاهر أن لفظها أعم وأن المقصود بها حث كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم على الثبات في الإيمان والرسوخ فيه والانصياع لأوامره ومنه ما حرص عليه في الآيات قبلها من الإنفاق في سبيله وسخاوة النفس فيه وأن لهم في مقابلة ذلك أجرا وافرا كما قال في أول السورة { فالذين آمنوا منكم وانفقوا لهم أجر كبير } فآخر السورة فيه رجوع لأوائلها بتذكير ما أمرت به وما سبق نزولها لأجله .

وأصل الكفل الحظ ، وأصله ما يتكفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عن السقوط والتثنية في مثله إما في حقيقتها أو هي كناية عن المضاعفة و ( النور ) هو ما يبصر من عمى الجهالة والضلالة ويكشف الحق لمقاصده كما قال سبحانه {[6989]} { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم }


[6987]:أخرجه البخاري في 3- كتاب العلم، 31- باب تعليم الرجل أمته وأهله حديث رقم 82. وأخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان حديث 241 (طبعتنا).
[6988]:انظر الصفحة رقم 243 من الجزء السابع والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).
[6989]:8/ الأنفال 29.