البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

{ يا أيها الذين آمنوا } : الظاهر أنه نداء لمن آمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمعنى آمنوا : دوموا واثبتوا ، وهكذا المعنى في كل أمر يكون المأمور ملتبساً بما أمر به .

{ يؤتكم كفلين } ، قال أبو موسى الأشعري : كفلين : ضعفين بلسان الحبشة .

انتهى ، والمعنى : أنه يؤتكم مثل ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله : { أولئك يؤتون أجرهم مرتين } إذ أنتم مثلهم في الإيمانين ، لا تفرقوا بين أحد من رسله .

وروي أن مؤمني أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين ، وادعوا الفضل عليهم ، فنزلت .

وقيل : النداء متوجه لمن آمن من أهل الكتاب ، فالمعنى : يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ، آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، يؤتكم الله كفلين ، أي نصيبين من رحمته ، وذلك لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإيمانكم بمن قبله من الرسل .

{ ويجعل لكم نوراً تمشون به } : وهو النور المذكور في قوله : { يسعى نورهم } ، ويغفر لكم ما أسلفتم من الكفر والمعاصي .

ويؤيد هذا المعنى ما ثبت في الصحيح : « ثلاثة يؤتهم الله أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي » ، الحديث .

ليعلم أهل الكتاب الذين لم يسلموا أنهم لا ينالون شيئاً مما ذكر من فضله من الكفلين والنور والمغفرة ، لأنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله ، ولم يكسبهم فضلاً قط .

وإذا كان النداء لمؤمني هذه الأمة والأمر لهم ، فروي أنه لما نزل هذا الوعد لهم حسدهم أهل الكتاب ، وكانت اليهود تعظم دينها وأنفسها ، وتزعم أنهم أحباء الله وأهل رضوانه ، فنزلت هذه الآية معلمة أن الله تعالى فعل ذلك وأعلم به .

ليعلم أهل الكتاب أنهم ليسوا كما يزعمون .