نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

ولما قرر سبحانه أن الرسل دعاة للحق إلى سيدهم طوعاً أو كرهاً بالكتاب والحديد ، وقرر أن السعادة كلها في اتباعهم ، وأن البدع لا تأتي بخير وإن زين الشيطان أمرها وخيل أنه خير ، وأن أصحاب الذي كان نسخ شريعة{[62844]} من قبله ابتدعوا بدعة حسنة فوكلوا إليها ففسق أكثرهم ، فاقتضى ذلك إرسال من ينسخ كل شريعة{[62845]} تقدمته نسخاً لا زوال له لأنه لا نبي بعده ونهى عن البدع نهياً لم يتقدمه أحد إلى مثله ، أنتج ذلك قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بذلك إقراراً صحيحاً بنبي مما تقدم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم { اتقوا الله } أي خافوا عقابه فاجعلوا بينكم وبين سخطه - لأنه الملك الأعظم - وقاية بحفظ الأدب معه ولا تأمنوا مكره ، فكونوا على حذر من{[62846]} أن يسلبكم ما وهبكم ، فاتبعوا الرسول تسلموا ، وحافظوا على اتباعه لئلا تهلكوا { وآمنوا برسوله } أي الذي لا رسول له الآن غيره ، إيماناً مضموماً إلى إيمانكم بالله فإنه{[62847]} لا يصح الإيمان به إلا مع الإيمان برسوله ، وبأن تثبتوا على الإيمان به ، وتضموا الإيمان به إلى الإيمان بمن تقدمه يا أهل الكتاب ، لأن رسالته عامة ، لقد نسخ جميع ما تقدمه من الأديان{[62848]} فإياكم أن يميلكم عنه ميل من حسد أو غيره ، فبادروا إلى إجابته والزموا {[62849]}جميعاً حذره{[62850]} فلا تميلوا إلى بدعة أصلاً { يؤتكم } ثواباً على اتباعه{[62851]} { كفلين } أي نصيبين ضخمين{[62852]} { من رحمته } تحصيناً لكم من العذاب كما يحصن الكفل الراكب من الوقوع ، وهو كساء يعقد على ظهر البعير فيلقى مقدمه على الكاهل ومؤخره على العجز ، وهذا التحصين{[62853]} لأجل إيمانكم به صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن تقدمه مع خفة العمل ورفع الأصار{[62854]} وهو أعلى{[62855]} بالأجر من الذي عمل الخير في الجاهلية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله{[62856]} عنه " أسلمت على ما أسلفت من خير " ودل على أن الكفلين برفع الدرجات وإفاضة خواص من الخيرات بقوله : { ويجعل لكم } أي مع ذلك { نوراً } مجازياً في الأولى بالتوفيق للعمل من المعلوم والمعارف القلبية وحسياً في الآخرة بسبب العمل { تمشون به } أي مجازاً في الأولى بالتوفيق للعمل ، وحقيقة في الآخرة بسبب العمل .

ولما كان الإنسان لا يخلو من نقصان ، فلا يبلغ جميع ما يحق للرحمن ، قال : { ويغفر لكم } أي ما{[62857]} فرط منكم من سهو وعمد وهزل وجد . ولما قرر سبحانه وذلك ، أتبعه التعريف بأن الغفران وما يتبعه صفة له شاملة لمن{[62858]} يريده فقال : { والله } أي المحيط بجميع صفات الكمال{[62859]} والعظمة والكبرياء{[62860]} { غفور } أي بليغ المحو للذنب عيناً وأثراً { رحيم * } أي بليغ الإكرام لمن يغفر له ويوفقه للعمل بما يرضيه .


[62844]:- من ظ، وفي الأصل: شريعته.
[62845]:- من ظ، وفي الأصل: شريعته.
[62846]:- زيد من ظ.
[62847]:- زيد في الأصل و ظ: الأبا.
[62848]:- من ظ، وفي الأصل: الإيمان.
[62849]:- من ظ، وفي الأصل: جميع عدوه-كذا.
[62850]:- من ظ، وفي الأصل: جميع عدوه-كذا.
[62851]:-زيد في الأصل: وهو، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[62852]:- من ظ، وفي الأصل: صحيحيم.
[62853]:- من ظ، وفي الأصل: التحصيل.
[62854]:- من ظ، وفي الأصل: الأصل.
[62855]:-زيد من ظ.
[62856]:- من ظ، وفي الأصل: سال.
[62857]:- زيد من ظ.
[62858]:- من ظ وفي الأصل: ممن.
[62859]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62860]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.