فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

{ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ( 28 ) }

[ الكفل ] الحظ والضعف من الأجر والإثم ؛ والنصيب .

يأمر مولانا الخلاق العليم أهل الإيمان والتصديق واليقين أن يستديموا تقوى الله تعالى ، ويثبتوا على التصديق برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليعطيكم ربكم الشكور جزاء على إيمانكم نصيبين من رحمته : رحمة عاجلة ورحمة آجلة ، كالذي يتضرع به أهل السعادة الذين وعد البر الرحيم أن يستجيب لهم في قوله- تبارك اسمه- : { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . أولئك لهم نصيب مما كسبوا . . }{[6350]} .

ويثبت المتقين فيهبهم نورا يسيرون به لا يظل عليهم سبيل{[6351]} ويستر عليهم ما قد يكون من إساءة ويعفو ويصفح ، وهو سبحانه كثير الغفران لمن استغفره ، واسعة رحمته لمن تاب وآمن وعمل صالحا واستقام على الهدى .

أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس ، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قالا : إن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أحدا فكانت فيهم جراحات ولم يقتل منهم أحد فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا : يا رسول الله إنا أهل ميسرة فأذن لنا نجيء بأموالنا نواسي بها المسلمين ، فأنزل الله تعالى فيهم { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون }{[6352]} إلى قوله سبحانه : { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا . . }1 . . فلما نزلت هذه الآية قال من لم يؤمن من أهل الكتاب : يا معشر المسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجران ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين ءامنوا . . . } الآية .

[ وقال سعيد بن عبد العزيز : سأل عمر بن الخطاب حبرا من أحبار يهود : أفضل ما ضعف لكم حسنة ؟ قال : كفل ثلاثمائة وخمسين حسنة ، قال : فحمد الله عمر على أن أعطانا كفلين ؛ ثم ذكر سعيد قول الله عز وجل : { يؤتكم كفلين من رحمته . . . } ]{[6353]} .


[6350]:- سورة البقرة: الآية 201 ومن الآية 202.
[6351]:- يمكن أن تبقى البشرى بالنور- الذي يعطاه المؤمن عامة- في دنياه وأخراه؛ ويستأنس لهذا بما روي من حديث قدسي: (اجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة علما...).
[6352]:- سورة القصص: الآيتان 52، 53 ومن الآية 54.
[6353]:- مما أورد ابن كثير.