وهو بعد هذا كله( عتل ) . . وهي لفظة تعبر بجرسها وظلها عن مجموعة من الصفات ومجموعة من السمات ، لا تبلغها مجموعة ألفاظ وصفات . فقد يقال : إن العتل هو الغليظ الجافي . وإنه الأكول الشروب . وإنه الشره المنوع . وإنه الفظ في طبعه ، اللئيم في نفسه ، السيء في معاملته . . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه : " العتل كل رغيب الجوف ، وثيق الخلق ، أكول شروب ، جموع للمال ، منوع له " . . ولكن تبقى كلمة( عتل )بذاتها أدل على كل هذا ، وأبلغ تصويرا للشخصية الكريهة من جميع الوجوه .
وهو زنيم . . وهذه خاتمة الصفات الذميمة الكريهة المتجمعة في عدو من أعداء الإسلام - وما يعادي الإسلام ويصر على عداوته إلا أناس من هذا الطراز الذميم - والزنيم من معانيه اللصيق في القوم لا نسب له فيهم ، أو أن نسبه فيهم ظنين . ومن معانيه ، الذي اشتهر وعرف بين الناس بلؤمه وخبثه وكثرة شروره . والمعنى الثاني هو الأقرب في حالة الوليد بن المغيرة . وإن كان إطلاق اللفظ يدمغه بصفة تدعه مهينا في القوم ، وهو المختال الفخور .
{ عتل } جاف غليظ ؛ من عتله يعتله ويعتله : إذا جره بعنف وغلظة . أو شديد الخصومة بالباطل . { زنيم } ملصق بالقوم ، دعي فيهم ؛ كأنه فيهم زنمة ، وهي ما يتدلى من الجلد في حلق المعز تحت لحيتها . وقيل : الزنيم هو الذي يعرف بالشر أو باللؤم بين الناس ؛ كما تعرف الشاة بزنمتها . أو هو الفاجر . وقيل : العتل الزنيم : الفاحش اللئيم .
{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } أي : غليظ شرس الخلق ، قاس غير منقاد للحق ، { زَنِيمٍ } أي : دعي ، ليس له أصل و [ لا ] مادة ينتج منها الخير ، بل أخلاقه أقبح الأخلاق ، ولا يرجى منه فلاح ، له زنمة أي : علامة في الشر ، يعرف بها .
وحاصل هذا ، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب ، خسيس النفس ، سيئ الأخلاق ، خصوصًا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس ، والتكبر على الحق وعلى الخلق ، والاحتقار للناس ، كالغيبة والنميمة ، والطعن فيهم ، وكثرة المعاصي .
ولما كان كل من{[67474]} يتصف بهذه الدنايا التي من شأنها إبعاد الناس عنه و{[67475]}نفرتهم منه{[67476]} يسعى في سترها إن كان عاقلاً بلين وتواضع وخداع وسهولة انقياد ، بين أن هذا على غير{[67477]} ذلك ، فقال منبهاً على هذا بالبعدية : { عتل } أي أكول شديد الخصومة جاف غليظ{[67478]} في خلقه وخلقه ثقيل مر ، كأنه قطعة جبل {[67479]}قد انقطع{[67480]} عن سائره لا ينجر إلى خير إلا بعسر وصعوبة وعنف ، من عتله - إذا قاده بغلظة ، فهو في غاية ما يكون من يبس الطباع ، وعدم الطواعية في الخير والانطباع ، قال الرازي : وسئل عنه{[67481]} رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي عن العتل - فقال : " هو الشديد{[67482]} الخلق الرحيب الجوف الأكول الشروب ، الظلوم " ونبه سبحانه على ثباته في تلك المخازي ، الموجب لاستغراق أوقاته وأحواله بها بنزع الخافض فقال : { بعد ذلك } الخلق الجدير بتكلف الإبعاد عنه ، الذي تجمع من هذه الأوصاف التي بلغت نهاية القباحة ، حتى صارت كأنها خلق واحد ثابت راسخ ، لا حيلة له{[67483]} في مداواته ، وعلى ذلك نبه قوله : { زنيم * } أي صارت له علامة سوء وشر وثناء قبيح ، ولأمة بينة و{[67484]}معرفة{[67485]} يعرف بها كما تعرف الشاة بزنمتها . وهي الجلدة التي تكون تحت حلقها مدلاة تنوس ، والعبد بمعايبه وسفساف{[67486]} أخلاقه ، وقيل : هو الذي يتشبه بقوم وليس منهم في شيء ، ولا يخلو التعبير به من إشارة{[67487]} إلى أنه دعي ليس ثابت النسب إلى من ينتسب إليه ، ليكون منقطعاً عن كل خير وإن كان ينسب إلى آباء كرام ، آخذاً من زنمة البعير ، وهي جلدة تقطع من أذنه فتترك{[67488]} معلقة ، ولا يفعل ذلك إلا بكرام الإبل ، وهذه الأفعال كلها تنافي الشجاعة المقتضية لإحسان صاحبها إلى كل أحد ، وأن لا يحسب له حساباً ولا يوصل إليه{[67489]} أذى إلا بعد ظهور شره ، فيعامله حينئذ بحسب العدل بما لا يرزىء بالمروءة . والمشار إليه بهذا مع إرادة العموم ، قيل : الوليد بن المغيرة ، وقيل : الأخنس بن شريق{[67490]} ، وقيل : الأسود بن عبد يغوث ، و{[67491]}قال ابن قتيبة : لا نعلم أن الله تعالى وصف أحداً ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من{[67492]} عيوب الوليد بن المغيرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.