مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

الصفة الثامنة : العتل وأقوال المفسرين فيه كثيرة ، وهي محصورة في أمرين ( أحدهما ) أنه ذم في الخلق ( والثاني ) أنه ذم في الخلق ، وهو مأخوذ من قولك : عتله إذا قاده بعنف وغلظة ، ومنه قوله تعالى : { فاعتلوه } أما الذين حملوه على ذم الخلق فقال ابن عباس في رواية عطاء : يريد قوي ضخم . وقال مقاتل : واسع البطن ، وثيق الخلق وقال الحسن : الفاحش الخلق ، اللئيم النفس وقال عبيدة بن عمير : هو الأكول الشروب ، القوي الشديد وقال الزجاج : هو الغليظ الجافي . أما الذين حملوه على ذم الأخلاق ، فقالوا : إنه الشديد الخصومة ، الفظ العنيف .

الصفة التاسعة : قوله : { الزنيم } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : في الزنيم أقوال : ( الأول ) قال الفراء : الزنيم هو الدعي الملصق بالقوم وليس منهم ، قال حسان :

وأنت زنيم نيط في آل هاشم *** كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

والزنمة من كل شيء الزيادة ، وزنمت الشاة أيضا إذا شقت أذنها فاسترخت ويبست وبقيت كالشيء المعلق ، فالحاصل أن الزنيم هو ولد الزنا الملحق بالقوم في النسب وليس منهم ، وكان الوليد دعيا في قريش وليس من سنخهم ادعاه بعد ثمان عشرة [ ليلة ] من مولده . وقيل : بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية ( والقول الثاني ) قال الشعبي هو الرجل يعرف بالشر واللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها ( والقول الثالث ) روى عن عكرمة عن ابن عباس قال : معنى كونه زنيما أنه كانت له زنمة في عنقه يعرف بها ، وقال مقاتل : كان في أصل أذنه مثل زنمة الشاة .

المسألة الثانية : قول { بعد ذلك } معناه أنه بعدما عد له من المثالب والنقائص فهو عتل زنيم وهذا يدل على أن هذين الوصفين وهو كونه عتلا زنيما أشد معايبه لأنه إذا كان جافيا غليظ الطبع قسا قلبه واجترأ على كل معصية ، ولأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الولد ، ولهذا قال عليه الصلاة السلام : « لا يدخل الجنة ولد الزنا ولا ولده ولا ولد ولده » وقيل : هاهنا { بعد ذلك } نظير { ثم } في قوله : { ثم كان من الذين آمنوا } وقرأ الحسن عتل رفعا على الذم .

ثم إنه تعالى بعد تعديد هذه الصفات قال : { أن كان ذا مال وبنين ، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } .