السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

{ عتلّ } العتلّ : الغليظ الجافي . وقال الحسن : هو الفاحش الخلق السيئ الخلق . وقال الفراء : هو الشديد الخصومة في الباطل . وقال الكلبي : هو الشديد في كفره ، وكل شديد عند العرب عتلّ ، وأصله من العتل وهو الدفع بالعنف ، وقال أبو عبيدة بن عمير : العتل : الأكول الشروب القوي الشديد الذي لا يزن في الميزان شعيرة ، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفاً دفعة واحدة . { بعد ذلك } أي : مع ذلك ، يريد مع ما وصفناه به . { زنيم } وهو الدعي الملصق بالقوم وليس منهم ، وقال عطاء عن ابن عباس : يريد مع هذا ، هو دعي في قريش ، وقال مرّة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشر سنة ، وقيل : الزنيم الذي له زنمة كزنمة الشاة . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : في هذه الآية نعت ، فلم يعرف حتى قيل : زنيم فعرف ، وكانت زنمة في عنقه يعرف بها . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها . وقال مجاهد : زنيم كانت له ستة أصابع في يده ، في كل إبهام له إصبع زائدة ، وقال ابن قتيبة : لا نعلم أن الله تعالى وصف أحداً ولا ذكر من عيوبه ، ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة ، فألحق به عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة .

وعن حارثة بن وهب الخزاعي قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف ، لو يقسم على الله لأبره ، ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر » . وفي رواية : «كل جواظ زنيم متكبر » . الجواظ : الجموع المنوع ، وقيل : الكثير اللحم المختال في مشيته ، وقيل : القصير البطين ، وقال عكرمة : هو ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم ، وكان الوليد دعياً في قريش ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده ، قال الشاعر فيه :

زنيم ليس يعرف من أبوه *** بغي الأمّ ذو حسب لئيم

قيل : بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت الآية ، وهذا لأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الولد ، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يدخل الجنة ولد زنا ولا ولده ولا ولد ولده » . وقال عبد الله بن عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن أولاد الزنا يحشرون يوم القيامة في صور القردة والخنازير » . ولعل المراد به الدخول مع السابقين ، وإلا فمن مات مسلماً دخل الجنة ، وقالت ميمونة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا ، فإذا فشى فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعذابه » . وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر . قال القرطبي : ومعظم المفسرين على أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان يطعم أهل منى حيساً ثلاثة أيام ، وينادي ألا لا يوقدنّ أحد تحت برمة ألا لا يزجين أحد بكراع ، ألا من أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة ، وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفاً وأكثر ، ولا يعطي المسكين درهماً واحداً وقيل : مناع للخير ، وفيه نزل { وويل للمشركين 6 الذين لا يؤتون الزكاة } [ فصلت : 6 7 ] .