اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «تَبْكِي السَّماءُ على رجُلٍ أصحَّ اللَّهُ جِسْمهَ ورحَّبَ جوفه ، وأعطاهُ من الدُّنْيَا بعضاً ، فكانَ للنَّاسِ ظلُوماً ، فذلك العُتُلَّ الزَّنِيمُ »{[57582]} .

وقوله : «بَعْدَ ذلِكَ » أي مع ذلك ، يريد ما وصفناه به «زنيم » وتقدم معنى الزنيم . وعن ابن عباس : أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة{[57583]} .

وروى عنه ابن جبير : أنه الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بزنمتها{[57584]} .

وقال عكرمة : هو الذي يعرف بلؤمه ، كما تعرف الشاة بزنمتها{[57585]} .

وقيل : إنه الذي يعرف بالأبنة ، وهو مروي عن ابن عباس ، وعنه : إنه الظلوم .

وقال مجاهدٌ : «زَنِيمٍ » كانت له ستة أصابع في يده في كل إبهام له أصبع زائدة{[57586]} .

وعنه أيضاً وسعيد بن المسيب وعكرمة : هو ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم{[57587]} .

وكان الوليد دعياً في قريش ليس من سنخهم ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده .

قال الشاعر : [ الوافر ]

4816 - زَنِيمٌ ليْسَ يُعرفُ من أبُوهُ*** بَغِيُّ الأمِّ ذُو حسبٍ لَئِيم{[57588]}

قيل : بغتْ أمه ولم يعرف حتى نزلت الآية ، وهذا لأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الولدُ ، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يَدْخلُ الجنَّة ولدُ زِنَا ، ولا ولَدُ وَلدِهِ »{[57589]} .

وقال عبد الله بن عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنَّ أوْلادَ الزِّنَا يُحشَرُونَ يومَ القِيامةِ في صُورةِ القِرَدةِ والخَنازِيرِ »{[57590]} .

وقالت ميمونة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «لا تَزالُ أمَّتِي بخيْرٍ ، مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ ولدُ الزِّنَا ، فإذا فَشَى فيهِمْ ولدُ الزِّنَا أوشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بعذابٍ »{[57591]} .

وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر{[57592]} .

قال القرطبي{[57593]} : ومعظم المفسرين على أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان يطعم أهل منى حيساً ثلاثة أيام ، وينادي ألا لا يوقدن أحدكم تحت بُرمةٍ ، ألا لا يدخنن أحد بكُراع ، ألا ومن أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة ، وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفاً ، أو أكثر ، ولا يعطي المسكين درهماً واحداً ؛ فقيل : «منَّاعٍ للخَيرِ » ، وفيه نزل :{ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة }[ فصلت : 6 ، 7 ] .

وقال محمد بن إسحاق : نزلت في الأخنس بن شريق ؛ لأنه حليف ملحق في بني زهرة ، فلذلك سمي زنيماً . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : في هذه الآية نُعت ، فلم يعرف ، حتى قتل زنيم فعرف ، وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها{[57594]} .

قال ابن قتيبة : لا نعلم أن الله وصف أحداً ، ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة ، وألحق به عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة .

فصل :

قرأ الحسن : «عُتُلٌّ » بالرفع ، أي هو عتل .

وحقه أن يقرأ ما بعده بالرفع أيضاً ، لأنهم قالوا في القطع : إنه يبدأ بالإتباع ، ثم بالقطع من غير عكس ، وقوله : «بَعْدَ ذلِكَ » أي : بعدما وصفناه به .

قال ابن عطية{[57595]} : فهذا الترتيب إنما هو في قول الواصفِ ، لا في حصول تلك الصفات في الموصوف ، وإلا فكونه عتلاًّ هو قبل كونه صاحب خير يمنعه .

وقال الزمخشريُّ{[57596]} : «بَعْدَ ذَلِكَ » أي : بعدما عد له من المثالب ، والنقائصِ ، ثم قال : جعل جفاءه ودعوته أشد معايبه ، لأنه إذا غلظ وجفا طبعه ، قسا قلبُه واجترأ على كل معصية .

ونظير قوله : { بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } { ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين }[ البلد : 17 ] .


[57582]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/180) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/393) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر عن زيد بن أسلم.
[57583]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/186) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/393) وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
[57584]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/186).
[57585]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/188).
[57586]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/153) عن مجاهد.
[57587]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/186) عن سعيد بن المسيب.
[57588]:ينظر القرطبي (18/153) والدر المنثور 6/392.
[57589]:أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/249) من حديث أبي هريرة وذكره الشيخ علي القاري في "الأسرار المرفوعة" (ص268) وقال: زعم ابن طاهر وابن الجوزي أن هذا الحديث موضوع لكن رواه أبو نعيم في "الحلية" عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا وأعله الدارقطني بأن مجاهدا لم يسمعه من أبي هريرة.
[57590]:ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 204) وقال: موضوع.
[57591]:أخرجه أحمد (6/333) من حديث ميمونة. وأخرجه أيضا أبو يعلى (13/6) رقم (7091) والطبراني في "الكبير" (24/23) رقم (55). والحديث ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/260) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني... وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين ومحمد بن إسحاق قد صرح بالسماع فالحديث صحيح أو حسن.
[57592]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/153).
[57593]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/154.
[57594]:ينظر: الكشاف 4/587، 588، والبحر المحيط 8/304، والدر المصون 6/352.
[57595]:ينظر: المحرر الوجيز 5/348.
[57596]:ينظر: الكشاف 4/587.