وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «تَبْكِي السَّماءُ على رجُلٍ أصحَّ اللَّهُ جِسْمهَ ورحَّبَ جوفه ، وأعطاهُ من الدُّنْيَا بعضاً ، فكانَ للنَّاسِ ظلُوماً ، فذلك العُتُلَّ الزَّنِيمُ »{[57582]} .
وقوله : «بَعْدَ ذلِكَ » أي مع ذلك ، يريد ما وصفناه به «زنيم » وتقدم معنى الزنيم . وعن ابن عباس : أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة{[57583]} .
وروى عنه ابن جبير : أنه الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بزنمتها{[57584]} .
وقال عكرمة : هو الذي يعرف بلؤمه ، كما تعرف الشاة بزنمتها{[57585]} .
وقيل : إنه الذي يعرف بالأبنة ، وهو مروي عن ابن عباس ، وعنه : إنه الظلوم .
وقال مجاهدٌ : «زَنِيمٍ » كانت له ستة أصابع في يده في كل إبهام له أصبع زائدة{[57586]} .
وعنه أيضاً وسعيد بن المسيب وعكرمة : هو ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم{[57587]} .
وكان الوليد دعياً في قريش ليس من سنخهم ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده .
4816 - زَنِيمٌ ليْسَ يُعرفُ من أبُوهُ*** بَغِيُّ الأمِّ ذُو حسبٍ لَئِيم{[57588]}
قيل : بغتْ أمه ولم يعرف حتى نزلت الآية ، وهذا لأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الولدُ ، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يَدْخلُ الجنَّة ولدُ زِنَا ، ولا ولَدُ وَلدِهِ »{[57589]} .
وقال عبد الله بن عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنَّ أوْلادَ الزِّنَا يُحشَرُونَ يومَ القِيامةِ في صُورةِ القِرَدةِ والخَنازِيرِ »{[57590]} .
وقالت ميمونة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «لا تَزالُ أمَّتِي بخيْرٍ ، مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ ولدُ الزِّنَا ، فإذا فَشَى فيهِمْ ولدُ الزِّنَا أوشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بعذابٍ »{[57591]} .
وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر{[57592]} .
قال القرطبي{[57593]} : ومعظم المفسرين على أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان يطعم أهل منى حيساً ثلاثة أيام ، وينادي ألا لا يوقدن أحدكم تحت بُرمةٍ ، ألا لا يدخنن أحد بكُراع ، ألا ومن أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة ، وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفاً ، أو أكثر ، ولا يعطي المسكين درهماً واحداً ؛ فقيل : «منَّاعٍ للخَيرِ » ، وفيه نزل :{ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة }[ فصلت : 6 ، 7 ] .
وقال محمد بن إسحاق : نزلت في الأخنس بن شريق ؛ لأنه حليف ملحق في بني زهرة ، فلذلك سمي زنيماً . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : في هذه الآية نُعت ، فلم يعرف ، حتى قتل زنيم فعرف ، وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها{[57594]} .
قال ابن قتيبة : لا نعلم أن الله وصف أحداً ، ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة ، وألحق به عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة .
قرأ الحسن : «عُتُلٌّ » بالرفع ، أي هو عتل .
وحقه أن يقرأ ما بعده بالرفع أيضاً ، لأنهم قالوا في القطع : إنه يبدأ بالإتباع ، ثم بالقطع من غير عكس ، وقوله : «بَعْدَ ذلِكَ » أي : بعدما وصفناه به .
قال ابن عطية{[57595]} : فهذا الترتيب إنما هو في قول الواصفِ ، لا في حصول تلك الصفات في الموصوف ، وإلا فكونه عتلاًّ هو قبل كونه صاحب خير يمنعه .
وقال الزمخشريُّ{[57596]} : «بَعْدَ ذَلِكَ » أي : بعدما عد له من المثالب ، والنقائصِ ، ثم قال : جعل جفاءه ودعوته أشد معايبه ، لأنه إذا غلظ وجفا طبعه ، قسا قلبُه واجترأ على كل معصية .
ونظير قوله : { بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } { ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين }[ البلد : 17 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.