في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

ثم يعاتب الله الذين آمنوا عتابا شديدا على أمر حدث من طائفة منهم . أمر يكرهه الله أشد الكره ، ويمقته أكبر المقت ، ويستفظعه من الذين آمنوا على وجه الخصوص :

( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ? كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون . إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ، كأنهم بنيان مرصوص . .

قال علي بن طلحة عن ابن عباس قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه ، فنعمل به ، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به . فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين ،

وشق عليهم أمره ، فقال الله سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ? كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . . . ) . . وقد اختار ابن جرير في تفسيره هذا القول .

وقال ابن كثير في تفسيره : " وحملوا الآية - يعني الجمهور - على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم ، فلما فرض نكل عنه بعضهم ، كقوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين قيل لهم : كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية . وقالوا : ربنا لم كتبت علينا القتال ? لولا أخرتنا إلى أجل قريب ! قل : متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا . أينما تكونوا يدرككم الموت . ولو كنتم في بروج مشيدة ) . .

وقال قتادة والضحاك نزلت توبيخا لقوم كانوا يقولون : قتلنا . ضربنا . طعنا . وفعلنا . . . ولم يكونوا فعلوا ذلك !

والراجح من سياق الآيات وذكر القتال أن مناسبة النزول هي التي عليها الجمهور وهي اختيار ابن جرير . ولكن النصوص القرآنية دائما أبعد مدى من الحوادث المفردة التي تنزل الآيات لمواجهتها ، وأشمل لحالات كثيرة غير الحالة التي نزلت بسببها . ومن ثم فإننا نسير مع هذه النصوص إلى مدلولاتها العامة ، مع اعتبار الحادث الذي تذكره روايات النزول .

إنها تبدأ بعتاب على حادث وقع أو حوادث :

( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ? ) .

/خ4

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

{ لم تقولون ما لا تفعلون } استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لم قد فعله ، أو مالا يفعله ؛ فهو إما كذب وإما خلف وكلاهما مذموم . وحذفت ألف ما الاستفهامية مع حرف الجر تخفيفا لكثرة استعمالهما معا محو : بم ، ممّ ، عمّ ، فيم . روي أن نفرا من المسلمين قالوا : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا ؛ فلما نزل الأمر بالجهاد كرهوه ، فنزلت الآية توبيخا لهم على إخلافهم ما وعدوا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } أي : لم تقولون الخير وتحثون عليه ، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه ، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه ، وأنتم متلوثون به ومتصفون به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

{ سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم . يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } قال المفسرون : إن المؤمنين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل لعملناه ، ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا . فأنزل الله عز وجل : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين ، فأنزل الله تعالى :{ لم تقولون ما لا تفعلون } ؟ وقال محمد بن كعب : لما أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر ، قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالاً لنفرغن فيه وسعنا ، ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية . وقال قتادة والضحاك : نزلت في شأن القتال ، كان الرجل يقول : قاتلت ولم يقاتل ، وطعنت ولم يطعن ، فنزلت هذه الآية ، قال ابن زيد : نزلت في المنافقين كانوا يعدون النصر للمؤمنين وهم كاذبون .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } كان المؤمنون يقولون لو علمنا أحب الأعمال الى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأخبروا بذلك في قوله :{ إن الله يحب الذين يقاتلون }الآية .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

ولما تقدمت في الممتحنة قصة الفتح الأعظم في شأن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وجل منابذة الكفار بكل اعتبار علماً على صحة الهجرة وادعى التجرد لجهاد أعداء الله ، وقصة الفتح السببي من تحريم المؤمنات على المشركين وتحريم المشركين على المؤمنات في غزوة الحديبية ، وأبدى سبحانه في ذلك من الصنائع التي تعجز قوى الخلق عنها أن رتب ما في الفتح السببي على ما في الفتح الفعلي الحقيقي ، فجعل الأول في الزمان آخر في الرتبة والآخر في الزمان أولاً في الرتبة مع شدة الإحكام في ترصيف النظام والبلوغ في الرشاقة والانسجام {[64809]} إلى حد لا يطيقه نوافذ الأفهام مع بداعة المعاني ومتانة المباني ، وكان فعل من ناصح{[64810]} الكفار ممن أمن بلسانه وأذعن{[64811]} بجنانه وهاجر بأركانه نوع مناصحة فعل من يقول مالا يفعل في منابذتهم والتجرد بعداوتهم ، فذكر أول هذه السورة من تنزيهه بألسنة أحوال ما لا يعقل{[64812]} ما يخجل المسلم بشيء من ذلك تأديباً لأمثاله ، وتدريباً لمن يلم بشيء من المخالفة بباله ، وكان العاقل أولى{[64813]} من غيره بتنزيه جناب القدس بالطاعة ، فكيف إذا{[64814]} كان ممن أقر بالإيمان وتقلد عهدة {[64815]} الإذعان ، وكان من عصى منهم منادياً على نفسه بمخالفة{[64816]} قوله لفعله ، ومن نزهه حق تنزيهه لم يقصر في حق من حقوقه بتضييع شيء من أوامره كما أن تنزيه ما لا يعقل بأن لا يخالف{[64817]} شيئاً من مراده ، قال مرهباً بنداء البعد والتوبيخ الذي من مبادئ الغضب والإنكار بالاستفهام والتعبير بما يفهم أدنى مراتب الإيمان : { يأيها الذين آمنوا } أي ادعوا الإيمان { لم } قال في الكشاف : هي لام الإضافة داخلة على " ما " الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في بم وفيم ومم وعم وإلام وعلام ، وإنما حذفت الألف لأن{[64818]} " ما " والحرف كشيء واحد ، ووقع استعمالها بزيادة هاء السكت أو الإسكان ، ومن أسكن في الوصل فلإجرائه مجرى الوقف كما سمع ثلاثه أربعه بالهاء وإلقاء حركة الهمزة عليها محذوفة ، وقال الرضي في الموصول : إنها حذفت لأن{[64819]} لها صدر الكلام ولم يمكن تأخير الجار عنها فقدم وركب معها حتى{[64820]} يصير المجموع موضوعة للاستفهام ، فلا يسقط الاستفهام عن مرتبة الصدر ، وجعل حذف الألف {[64821]}دليل التركيب{[64822]} { تقولون } أي من دعوى الإيمان التي مقتضاها إلزام الإخلاص في جميع الأحوال { ما لا تفعلون * } أي ما لا تصدقونه بالفعل الذي يكون بغاية الرغبة والقوة فتتخذوا العدو ولياً بالإقبال عليه وإرسال التنصح إليه وقد تلفظتم بالإيمان الذي يستلزم المعاداة لكل من كفر ، وخلف الوعد في نفسه قبيح{[64823]} ومع الخالق أقبح .


[64809]:- من ظ وم، وفي الأصل: الانسجاء.
[64810]:- من ظ وم، وفي الأصل: صالح.
[64811]:- من ظ وم، وفي الأصل: ادعى.
[64812]:- زيد من ظ وم.
[64813]:- من ظ وم، وفي الأصل: والى.
[64814]:- زيد من ظ وم.
[64815]:- من ظ وم، وفي الأصل: جهده.
[64816]:- من ظ وم، وفي الأصل: بمحالة.
[64817]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يخالفه.
[64818]:- زيد في الأصل: صدر الكلام، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64819]:- من م، وفي الأصل وظ: لأنها.
[64820]:- زيد من ظ وم.
[64821]:- من ظ وم، وفي الأصل: دليلا للتركيب.
[64822]:- من ظ وم، وفي الأصل: دليلا للتركيب.
[64823]:- زيد من ظ وم.