في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا} (17)

( فمهل الكافرين ) . . ( أمهلهم رويدا ) . . لا تعجل . ولا تستبطئ نهاية المعركة . وقد رأيت طبيعتها وحقيقتها . . فإنما هي الحكمة وراء الإمهال . الإمهال قليلا . . وهو قليل حتى لو استغرق عمر الحياة الدنيا . فما هو عمر الحياة الدنيا إلى جانب تلك الآباد المجهولة المدى ?

ونلحظ في التعبير الإيناس الإلهي للرسول : ( فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) . . كأنه هو [ صلى الله عليه وسلم ] صاحب الأمر ، وصاحب الإذن ، وكأنه هو الذي يأذن بإمهالهم . أو يوافق على إمهالهم . وليس من هذا كله شيء للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إنما هو الإيناس والود في هذا الموضع الذي تنسم نسائم الرحمة على قلبه [ صلى الله عليه وسلم ] الإيناس الذي يخلط بين رغبة نفسه وإرادة ربه . ويشركه في الأمر كأن له فيه شيئا . ويرفع الفوارق والحواجز بينه وبين الساحة الإلهية التي يقضى فيها الأمر ويبرم . . وكأنما يقول له ربه : إنك مأذون فيهم . ولكن أمهلهم . أمهلهم رويدا . . فهو الود العطوف والإيناس اللطيف . يمسح على الكرب والشدة والعناء والكيد ، فتنمحي كلها وتذوب . . ويبقى العطف الودود . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا} (17)

{ فمهل الكافرين } أمهلهم ، ولا تستعجل عقابهم ، وانتظر تدبير الله فيهم . يقال : مهل وأمهل ، بمعنى أنظر ؛ والاسم منه المهلة . والاستمهال : الانتظار . وهو وعيد شديد لهم . { رويدا } أي أمهلهم إمهالا قريبا أو قليلا حتى أمرك بقتالهم . مصغر رود ، بوزن عود ؛ من قولهم : فلان يمشي على رود ، أي على مهل . وأصله : من رادت الريح ترود ، إذا تحركت حركة ضعيفة .

والله أعلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا} (17)

{ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } أي : قليلًا ، فسيعلمون عاقبة أمرهم ، حين ينزل بهم العقاب .

تم تفسير سورة الطارق ، والحمد لله رب العالمين .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا} (17)

قوله تعالى : " فمهل الكافرين " أي أخرهم ، ولا تسأل اللّه تعجيل إهلاكهم ، وارض بما يدبره{[15952]} في أمورهم . ثم نسخت بآية السيف " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " {[15953]} [ التوبة : 5 ] . " أمهلهم " تأكيد . ومهل وأمهل : بمعنى مثل : نزل وأنزل . وأمهله : أنظره ، ومهله تمهيلا ، والاسم : المهلة . والاستمهال : الاستنظار . وتمهل في أمره أي اتأد . واتمهل اتمهلالا : أي اعتدل وانتصب . والاتمهلال أيضا : سكون وفتور . ويقال : مهلا يا فلان ، أي رفقا وسكونا . " رويدا " أي قريبا ، عن ابن عباس . قتادة : قليلا . والتقدير : أمهلهم إمهالا قليلا . والرويد في كلام العرب : تصغير رود . وكذا قاله أبو عبيد . وأنشد :

كأنها ثَمِلٌ يمشِي على رُودِ{[15954]}

أي على مهل . وتفسير " رويدا " : مهلا ، وتفسير رويدك : أمهل ؛ لأن الكاف إنما تدخله إذا كان بمعنى أفعل دون غيره ، وإنما حركت الدال لالتقاء الساكنين ، فنصب نصب المصادر ، وهو مصغر مأمور به ؛ لأنه تصغير الترخيم من إرواد ، وهو مصدر أرود يرود . وله أربعة أوجه : اسم للفعل ، وصفة ، وحال ، ومصدر ، فالاسم نحو قولك : رويد عمرا ، أي أرود عمرا ، بمعنى أمهله . والصفة نحو قولك : ساروا سيرا رويدا . والحال نحو قولك : سار القوم رويدا ، لما اتصل بالمعرفة صار حالا لها . والمصدر نحو قولك : رويد عمرو بالإضافة . كقوله تعالى : " فضرب الرقاب{[15955]} " [ محمد : 4 ] . قال جميعه الجوهري . والذي في الآية من هذه الوجوه أن يكون نعتا للمصدر ، أي إمهالا رويدا . ويجوز أن يكون للحال ، أي أمهلهم غير مستعجل لهم العذاب . ختمت السورة .


[15952]:في بعض النسخ "يريده".
[15953]:آية 5 سورة التوبة.
[15954]:هذا عجز بيت للجموح الظفري. وصدره: * تكاد لا تثلم البطحاء وطأتها *
[15955]:آية 4 سورة محمد.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا} (17)

ولما كان هذا معلماً بأنهم عدم لا اعتبار بهم ، قال مسبباً عنه تهديداً لهم يا له من تهديد {[72756]}ما أصعبه{[72757]} : { فمهل } أي تمهيلاً عظيماً بالتدريج . ولما كان في المكذبين في علم الله من يؤمن فليس مستحقاً لإيقاع مثل هذا التهديد ، عبر بالوصف المقتضي للرسوخ فقال : { الكافرين } أي فلا تدع عليهم ولا تستعجل لهم بالإهلاك ، فإنا لا نعجل {[72758]}لأنه لا يعجل بالعقوبة إلا من يخاف الفوت ، حكي أن الحجاج كان سجنه من رخام وأرضه من رصاص ، فكان يتلون بتلون الأوقات ، فوقت الحر جهنم ، ووقت البرد زمهرير ، فمر به يوماً فاستغاثوا فطأطأ رأسه لهم وقال : اخسؤوا فيها ولا تكلمون ، فأخذت الأرض قوائم جواده فرفع طرفه إلى السماء وقال : سبحانك لا يعجل بالعقوبة إلا من يخاف الفوت ، وانطلق من وقته{[72759]} ، فإن العجلة -وهي-{[72760]} إيقاع الشيء في غير وقته الأليق به -{[72761]} نقص فإنه لا يعجل إلا من يكون ما يفعل-{[72762]} المستعجل عليه خارجاً عن قبضته .

ولما كانت صيغة التفعيل ربما أفهمت التطويل ، أكد ذلك مجرداً للفعل دلالة على أن المراد بالأول إيقاع الإمهال مع أن زمنه قصير بالتدريج ليطمئن الممهل بذلك{[72763]} وتصير له به-{[72764]} قوة عظيمة ودرته ؟ وعزيمة صادقة لأن ما يقولونه مما تشتد كراهة النفوس له ، فلا يقدر أحد على الإعراض عنه إلا بمعونة عظيمة : { أمهلهم } أي بالإعراض عنهم مرة واحدة بعد التدريج لما صار لك على حمله من القوة بالتدريج{[72765]} - الذي أمرت به سابقاً { رويداً * } أي إمهالاً يسيراً فستكون عن قريب لهم أمور ، وأي أمور تشفي الصدور ، وهو تصغير " اروادا " تصغير ترخيم ، قال ابن برجان : وهي كلمة تعطي الرفق ، وهذا الآخر هو المراد بما في أولها من أن كلاًّ منهم ومن غيرهم محفوظ بحفظه مضبوطة أقواله وأفعاله و{[72766]}حركاته وسكناته{[72767]} وأحواله ، فإن ذلك مستلزم لأنه{[72768]} في القبضة ، فقد{[72769]} التقى الطرفان على أعظم شأن بأبين-{[72770]} برهان ، ووقع أول هذا الوعيد يوم بدر ثم تولى{[72771]} نكالهم وتحقيرهم{[72772]} وإسفالهم إلى أن ذهب كثير منهم بالسيف وكثير منهم بالموت-{[72773]} حتف الأنف إلى النار ، وبقي الباقون في الصغار إلى أن أعزهم الله بعز الإسلام ، وصاروا من الأكابر الأعلام{[72774]} ، تشريفاً {[72775]}وتكريماً وتعظيماً{[72776]} لهذا النبي الكريم{[72777]} عليه أفضل الصلاة والسلام{[72778]} ، والله تعالى هو أعلم بالصواب{[72779]} .

ختام السورة:

وهذا الآخر هو المراد بما في أولها من أن كلاًّ منهم ومن غيرهم محفوظ بحفظه مضبوطة أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وأحواله ، فإن ذلك مستلزم لأنه في القبضة ، فقد التقى الطرفان على أعظم شأن بأبين برهان ، ووقع أول هذا الوعيد يوم بدر ثم تولى نكالهم وتحقيرهم وإسفالهم إلى أن ذهب كثير منهم بالسيف وكثير منهم بالموت حتف الأنف إلى النار ، وبقي الباقون في الصغار إلى أن أعزهم الله بعز الإسلام ، وصاروا من الأكابر الأعلام ، تشريفاً وتكريماً وتعظيماً لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام ، والله تعالى هو أعلم بالصواب .


[72756]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م، وزيد في الأصل: قوله.
[72757]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م، وزيد في الأصل: قوله.
[72758]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72759]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72760]:زيد من ظ و م.
[72761]:زيد في الأصل: وهذا، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72762]:زيد من ظ و م.
[72763]:من ظ و م، وفي الأصل: به.
[72764]:زيد من ظ و م.
[72765]:زيد من ظ و م.
[72766]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72767]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72768]:من م، وفي الأصل و ظ: أنه.
[72769]:من ظ وم، وفي الأصل: رجع و.
[72770]:زيد من ظ و م.
[72771]:من ظ و م، وفي الأصل: تول.
[72772]:زيد من ظ و م.
[72773]:من ظ و م، وفي الأصل: تحقير.
[72774]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72775]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72776]:من ظ و م، وفي الأصل: الأعيان.
[72777]:زيد في الأصل: على ربه، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72778]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72779]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.