اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا} (17)

قوله : { فَمَهِّلِ الكافرين } . أي : لا تدع بهلاكهم ، ولا تستعجل ، وارض بما تريده في أمورهم ، ثم نسخت بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] .

قوله : { أَمْهِلْهُمْ } . هذه قراءة العامة ، لما كرر الأمر توكيداً خالف بين اللفظين .

وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما : «مَهِّلهُمْ » كالأول ، ومهَّل وأمْهَل بمعنى مثل : نزل وأنزل ، والإمهال والتَّمهيل : الانتظار ، يقال : أمهلتك كذا ، أي : انتظرتك لتفعله ، والاسم : المهلة والاستمهال : الانتظار ، والمَهْل : الرِّفقُ والتُّؤدةُ ، وتمهل في أمره : أي : أتاه ، وتمهَّلَ تمهيلاً : اعتدل وانتصب ، والامتهال : سكون وفتور ، ويقال : مهلاً يا فلان ، أي رفقاً وسكوناً .

قوله : { رُوَيْداً } . مصدر مؤكد لمعنى العامل ، وهو تصغير إرواد على الترخيم ، وقيل : بل هو تصغير «رود » كذا قال أبو عبيد .

وأنشد : [ البسيط ]

5174- *** كَأنَّهُ ثَمِلٌ يَمْشِي على رَوَدِ{[59866]} ***

أي : على مهل . واعلم أن «رويداً » : يستعمل مصدراً بدلاً من اللفظ بفعله ، فيضاف تارة ، كقوله تعالى : { فَضَرْبَ الرقاب } [ محمد : 4 ] ، ولا يضاف أخرى ، نحو : رويداً زيداً ويقع حالاً ، نجو : ساروا رويداً ، أي : متمهلين ، ونعت المصدر ، نحو : «ساروا رويداً » ، أي : سيراً رويداً ، وتفسير «رويداً » مهلاً ، وتفسير «رويدك » أمهل ؛ لأن الكاف إنما تدخله إذا كان بمعنى : «افعل » دون غيره ، وإنَّما حُرِّكت الدال لالتقاء الساكنين ، ونصب نصب المصادر ، وهو مصغَّر مأمور به ؛ لأنه تصغير الترخيم من «إرواد » : وهو مصدر : «أرود ، يرود » وله أربعة أوجه : اسماً للفعل ، وصفة ، وحالاً ، ومصدراً ، وقد تقدم ذكرها .

قال ابن عباس : - رضي الله عنهما - : «رويداً » أي : قريباً{[59867]} .

وقال قتادةُ : قليلاً{[59868]} .

وقيل : { أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } إلى يوم القيامة ، وإنما صغِّر ذلك من حيث إن كل آت قريب .

وقيل : «أمهلهم رويداً » إلى يوم يرد .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن أبي بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ { والسمآء والطارق } أعطاه اللهُ تعَالى مِنَ الأجْرِ بعَددِ كُلِّ نجمٍ في السَّماءِ عَشْرَ حَسَناتٍ »{[1]} والله تعالى أعلم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[59866]:عجز بيت للجموح الظفري، وصدره: *** تكاد لا تكلم البطحاء وطأتها *** ينظر ابن يعيش 4/19، واللسان (ورد)، والقرطبي 20/9، وشرح القصائد السبع لابن الأنباري 403، والدر المصون 6/508.
[59867]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/541)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/562)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
[59868]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/541)، عن قتادة.