الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا} (17)

قوله تعالى : " فمهل الكافرين " أي أخرهم ، ولا تسأل اللّه تعجيل إهلاكهم ، وارض بما يدبره{[15952]} في أمورهم . ثم نسخت بآية السيف " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " {[15953]} [ التوبة : 5 ] . " أمهلهم " تأكيد . ومهل وأمهل : بمعنى مثل : نزل وأنزل . وأمهله : أنظره ، ومهله تمهيلا ، والاسم : المهلة . والاستمهال : الاستنظار . وتمهل في أمره أي اتأد . واتمهل اتمهلالا : أي اعتدل وانتصب . والاتمهلال أيضا : سكون وفتور . ويقال : مهلا يا فلان ، أي رفقا وسكونا . " رويدا " أي قريبا ، عن ابن عباس . قتادة : قليلا . والتقدير : أمهلهم إمهالا قليلا . والرويد في كلام العرب : تصغير رود . وكذا قاله أبو عبيد . وأنشد :

كأنها ثَمِلٌ يمشِي على رُودِ{[15954]}

أي على مهل . وتفسير " رويدا " : مهلا ، وتفسير رويدك : أمهل ؛ لأن الكاف إنما تدخله إذا كان بمعنى أفعل دون غيره ، وإنما حركت الدال لالتقاء الساكنين ، فنصب نصب المصادر ، وهو مصغر مأمور به ؛ لأنه تصغير الترخيم من إرواد ، وهو مصدر أرود يرود . وله أربعة أوجه : اسم للفعل ، وصفة ، وحال ، ومصدر ، فالاسم نحو قولك : رويد عمرا ، أي أرود عمرا ، بمعنى أمهله . والصفة نحو قولك : ساروا سيرا رويدا . والحال نحو قولك : سار القوم رويدا ، لما اتصل بالمعرفة صار حالا لها . والمصدر نحو قولك : رويد عمرو بالإضافة . كقوله تعالى : " فضرب الرقاب{[15955]} " [ محمد : 4 ] . قال جميعه الجوهري . والذي في الآية من هذه الوجوه أن يكون نعتا للمصدر ، أي إمهالا رويدا . ويجوز أن يكون للحال ، أي أمهلهم غير مستعجل لهم العذاب . ختمت السورة .


[15952]:في بعض النسخ "يريده".
[15953]:آية 5 سورة التوبة.
[15954]:هذا عجز بيت للجموح الظفري. وصدره: * تكاد لا تثلم البطحاء وطأتها *
[15955]:آية 4 سورة محمد.