في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

وقبل أن يعلن السياق جواب استخذائهم الذليل ، يقرر الحقيقة التي تتحكم في الموقف كله ؛ وتتحكم قبل ذلك في حياة الناس ومصائرهم :

( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها . ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) . .

ولو شاء الله لجعل لجميع النفوس طريقا واحدا . هو طريق الهدى ، كما وحد طريق المخلوقات التي تهتدي بإلهام كامن في فطرتها ، وتسلك طريقة واحدة في حياتها من الحشرات والطير والدواب ؛ أو الخلائق التي لا تعرف إلا الطاعات كالملائكة . لكن إرادة الله اقتضت أن يكون لهذا الخلق المسمى بالإنسان طبيعة خاصة ، يملك معها الهدى والضلال ؛ ويختار الهداية أو يحيد عنها ؛ ويؤدي دوره في هذا الكون بهذه الطبيعة الخاصة ، التي فطره الله عليها لغرض ولحكمة في تصميم هذا الوجود . ومن ثم كتب الله في قدره أن يملأ جهنم من الجنة ومن الناس الذين يختارون الضلالة ، ويسلكون الطريق المؤدي إلى جهنم .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

{ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } أي لو شئنا إيتاء كل نفس رشدها وتوفيقها إلى الإيمان لآتيناها إياه . { ولكن حق القول مني } أي ثبت وتحقق قولي : { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } وهم الذين سبق في علمنا أنهم يؤثرون الضلال على الهدى لفساد استعدادهم ؛ فلم نشأ إعطاءهم الهدى وأنتم منهم . وإنما شئنا إعطاءه للأبرار الذين علمنا أنهم يختارون الهدى على الضلال ؛ لنقاء نفوسهم وكمال استعدادهم . ومشيئتنا لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها المعلوم لنا أزلا . " من الجنة " أي من الجن ، وسموا جنا لاستتارهم عن الأنظار ؛ من الجن وهو الستر ، قال تعالى : " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم " {[275]} .


[275]:آية 27 الأعراف.