تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

الآية 13 وقوله تعالى : { ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها } أي لو شئنا لآتينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم الاختيار لذلك لاهتدوا . لكن لم نعطهم ذلك اللطف لما لم نعلم منهم كون ذلك الاختيار .

وعلى قول المعتزلة : شاء أن يعطي كل نفس ما به تهتدي ، وقد أعطاها ، لكنها لم تهتد . فقولهم ، مخالف للآية لأنهم يقولون : شاء أن تهتدي كل نفس ، وآتى كل نفس ما به تهتدي ، لكنها لم تهتد ، ولكنهم يقولون : المشيئة هنا مشيئة الجبر والقسر . فيقال لهم : زعمتم أنه قد شاء أن يهتدوا ، وآتاهم ما به يهتدون ، فلم يهتدوا ، ولم تنفذ مشيئته . فأنى يقدر . ويملك ؟ إن شاء مشيئة تقهرهم ، وتجبرهم حتى يهتدوا ، وكيف يؤمن على ذلك ، فذلك بعيد على قولكم .

فيقال لهم أيضا : إن الإيمان والتوحيد في حال القهر والقسر لا يكون إيمانا لأن القهر والجبر يرفع الفعل عن فاعله ، ويحوله عنه . فكيف يصح تأويلكم على هذا ؟

وقوله تعالى : { ولكن حق القول مني لأملأن جهنم } أي لكن وجب القول مني بما علمت أنه يكون منهم ، ويحدث ما يستوجبون جهنم ، وهو ما علم منهم أنهم يختارون الرد والتكذيب .

وقوله تعالى : { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } في هذه الآية دلالة أنه قد عصم ملائكته عن عمد ما يستوجبون به جهنم بعد قوله : { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم } [ الأنبياء : 29 ] حين( {[16394]} ) خص الجن والإنس في ما يملأ بهما جهنم .

فإن قيل : إنه قال في آية أخرى : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } [ المدثر : 31 ] قيل : هم أصحاب النار في تعذيب غيرهم ، وليسوا هم بأصحابها في ما ينتهي إليهم العذاب . ولله أن يجعل ، ويمتحن من يشاء على تعذيب من يشاء ، والله أعلم .


[16394]:في الأصل وم: حيث.