السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

وقوله تعالى : { ولو شئنا } أي : بما لنا من العظمة { لآتينا كل نفس } أي : مكلفة لأن الكلام فيها { هداها } فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيار منها جواب عن قولهم { ربنا أبصرنا وسمعنا } وذلك أن الله تعالى قال : إني لو أردت منكم الإيمان لهديتكم في الدنيا .

ولما لم أهدكم تبين أني ما أردت ولا شئت إيمانكم فلا أردكم ، وهذا صريح في الدلالة على صحة مذهب أهل السنة حيث قالوا : إن الله تعالى ما أراد الإيمان من الكافر وما شاء منه إلا الكفر { ولكن } لم أشأ ذلك لأنه { حق القول مني } وأنا من لا يخلف الميعاد ؛ لأن الإخلاف إما لعجزٍ أو نسيانٍ أو حاجةٍ ولا شيء من ذلك يليق بجنابي ولا يحل بساحتي ، وأكد لأجل إنكارهم فقال مقسماً : { لأملأن جهنم } أي : التي هي محل إهانتي { من الجنة } أي : الجن طائفة إبليس ، وكأنه تعالى أنثهم تحقيراً لهم عند من يستعظم أمرهم وبدأ بهم لاستعظامهم لهم ولأنهم الذين أضلوهم { والناس أجمعين } حيث قلت لإبليس : { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } ( ص : 85 ) فلذلك شئت كفر الكافر وعصيان العاصي بعد أن جعلت لهم اختياراً ، وغيبت العاقبة عنهم ، فصار الكسب ينسب إليهم ظاهراً والخلق في الحقيقة والمشيئة لي .