فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا } أعطينا { كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } أي رشدها ، وتوفيقها إلى الإيمان يعني ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم اختيار ذلك لاهتدوا جميعا ، فلم يكفر منهم أحد ؛ ولكن لم نعطهم ذلك اللطف لما علمنا منهم اختيار الكفر ، وإيثاره ، وهو حجة على المعتزلة فإنهم أولوا الآية بمشيئة الجبر ، وهو تأويل فاسد . قال النحاس : في معنى هذا قولان أحدهما أنه في الدنيا ، والآخر أنه في الآخرة ، أي : لو شئنا لرددنا إلى الدنيا .

{ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي } أي نفذ قضائي ، ووجب قدري ، وسبقت كلمتي ، وثبت وعيدي .

{ لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } هذا هو القول الذي وجب من الله ، وحق على عباده ، ونفذ فيه قضاؤه ، فكان مقتضى هذا القول أنه لا يعطي كل نفس هداها ، وإنما قضى عليهم بهذا لأنه سبحانه قد علم أنهم من أهل الشقاوة ، وأنهم ممن يختار الضلالة على الهدى ، وقدم الجن لأن المقام مقام تحقير ، ولأن الجهنميين منهم أكثر فيما قيل ، ولا يلزم من قوله :أجمعين دخول جميع الإنس والجن فيها ، لأنها تفيد عموم الأنواع لا الأفراد ، قاله بعض المحققين ، ورد بأنه لو قصد ما ذكر كان المناسب التثنية دون الجمع بأن يقول : كليهما ، فالظاهر أنها لعموم الأفراد ، والتعريف فيهما للعهد ، والمراد عصاتهما ، ويؤيده قوله في آية أخرى خطابا لإبليس { لأملأن جهنم منك ، وممن تبعك منهم أجمعين } ، قاله الشهاب .

وفي تخصيص الإنس والجن إشارة إلى أنه عصم ملائكته عن عمل يستوجبون به جهنم .