نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

ولما كان ربما وقع في وهم أن ضلالهم مع الإمعان في البيان ، لعجز عن هدايتهم أو توان ، قال{[54735]} عاطفاً على{[54736]} ما تقديره : إني{[54737]} لا أردكم لأني لم أضلكم في الدنيا للعجز عن هدايتكم فيها ، بل لأني لم أرد إسعادكم ، ولو شئت لهديتكم ، صارفاً القول إلى مظهر العظمة لاقتضاء المقام لها{[54738]} : { ولو شئنا } أي بما لنا من العظمة التي تأبى أن يكون لغيرنا شيء يستقل به {[54739]}أو يكون{[54740]} في ملكنا ما لا نريد { لأتينا كل نفس } أي مكلفة لأن الكلام فيها { هداها } أي جعلنا هدايتها ورشدها وتوفيقها للإيمان وجميع ما يتبعه من صالح الأعمال في يدها متمكنة منها .

ولما استوفى الأمر حده من العظمة ، لفت الكلام إلى الإفراد ، دفعاً للتعنت وتحقيقاً لأن المراد بالأول العظمة فقال : { ولكن } أي لم أشأ ذلك لأنه { حق القول مني } وأنا من{[54741]} لا يخلف الميعاد ، لأن الإخلاف إما لعجز أو نسيان أو حاجة ولا شيء من ذلك يليق بجنابي ، أو يحل بساحتي ، وأكد لأجل إنكارهم فقال مقسماً : { لأملان جهنم } التي هي محل إهانتي وتجهم أعدائي بما تجهموا أوليائي { من الجنة } أي الجن طائفة إبليس ، وكأنه أنثهم{[54742]} تحقيراً لهم عند من يستعظم أمرهم لما دعا{[54743]} إلى تحقيرهم من مقام الغضب{[54744]} وبدأ بهم لاستعظامهم لهم{[54745]} ولأنهم الذين أضلوهم { والناس أجمعين * } حيث قلت لإبليس :{ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين }[ ص : 85 ] فلذلك شئت كفر الكافر وعصيان العاصي بعد أن جعلت لهم اختياراً ، وغيبت العاقبة عنهم ، فصار الكسب ينسب إليهم{[54746]} ظاهراً ، والخلق في الحقيقة والمشيئة لي{[54747]} .


[54735]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فقال.
[54736]:زيد من ظ وم ومد.
[54737]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لأني.
[54738]:زيد من ظ وم ومد.
[54739]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[54740]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[54741]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ممن.
[54742]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[54743]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دعاهم.
[54744]:سقط من ظ ومد.
[54745]:في م: إياهم.
[54746]:سقط من ظ.
[54747]:سقط من ظ ومد.