في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا} (27)

هناك فقط استثناء واحد . . وهو ما يأذن به الله من الغيب ، فيطلع عليه رسله ، في حدود ما يعاونهم على تبليغ دعوته إلى الناس . فما كان ما يوحي به إليهم إلا غيبا من غيبه ، يكشفه لهم في حينه ويكشفه لهم بقدر ، ويرعاهم وهم يبلغونه ، ويراقبهم كذلك . . ويؤمر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يعلن هذا في صورة جادة رهيبة :

( إلا من ارتضى من رسول ، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، وأحاط بما لديهم ، وأحصى كل شيء عددا ) . .

فالرسل الذين يرتضيهم الله لتبليغ دعوته ، يطلعهم على جانب من غيبه ، هو هذا الوحي : موضوعه ، وطريقته ، والملائكة الذين يحملونه ، ومصدره ، وحفظه في اللوح المحفوظ . . إلى آخر ما يتعلق بموضوع رسالتهم مما كان في ضمير الغيب لا يعلمه أحد منهم .

وفي الوقت ذاته يحيط هؤلاء الرسل بالأرصاد والحراس من الحفظة ، للحفظ والرقابة . يحمونهم من وسوسة الشيطان ونزغه ، ومن وسوسة النفس وتمنيتها ، ومن الضعف البشري في أمر الرسالة ، ومن النسيان أو الانحراف . ومن سائر ما يعترض البشر من النقص و الضعف . .

والتعبير الرهيب - ( فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) . . يصور الرقابة الدائمة الكاملة للرسول ، وهو يؤدي هذا الأمر العظيم . .

/خ28

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا} (27)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه، وما يحكم الله، فإنه لا يعلم ذلك غيره..

عن قتادة، قوله: "عالِم الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" فإنه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب.

: قال ابن زيد، في قوله: "فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" قال: ينزل من غيبه ما شاء على الأنبياء، أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيب القرآن، قال: وحدثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة.

" فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا": فإنه يرسل من أمامه ومن خلفه حرسا وحفظة يحفظونه؛ عن الضحاك: "إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا" قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بعث إليه الملك بالوحي، بعث معه ملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وقوله تعالى: {إلا من ارتضى من رسول} أي اختاره، واصطفاه.

والأصل أن الرسالة تلوم خلق الشهادة له بالصدق في كل خبر، وبالعدل في كل حكم لقوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65] وبالإصابة في كل أمر في ما لم يبلغ مبلغا يوجب الأمر، فهو لا يختصه للرسالة.

وفي الاختصاص نعمة عظيمة على الخلق؛ إذ به وصل الخلق إلى تعرف ما تبلغهم إليه الحاجة في أمر معاشهم ومعادهم ودينهم ودنياهم.

وقوله تعالى: {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} قيل: رصدا من بين يدي الرسول ومن خلفه من الملائكة ليمنع الإنس عن الرسل في منعهم عن التبليغ حتى يبلغوا. ذكر هذا عن الحسن البصري، رحمه الله، وكذلك قال في قوله: {إن ربك أحاط بالناس} [الإسراء: 60]. إن إحاطته هي أن يعصمه من الناس من أن يصل إليه منع الناس إياه عن تبليغ الرسالة.

ويحتمل أن يكون الملائكة جعلوا رصدا للجن عن استراق ما يوحى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعن تلقنه حتى يكون الرسول هو الذي يبلغ إلى الخلق، ويشتهر ذلك بين الخلق أن الرسول، هو الذي قام بتبليغه إلى الخلق، لأنهم إذا لم يجعلوا رصدا لكان للجن أن يسترقوه، ويبلغوه، فيأتوا بلدة، لم يتيسر عندهم علم ذلك من جهة الرسول، فيعرفوا ذلك من عند الجن قبل أن يبلغهم الرسول، فإذا بلّغ الرسول من بعد التبس الأمر على الذين ظهر فيهم العلم من جهة الجن، فجعل عليهم رصدا حتى ينتشر علم ذلك من جهة الرسول، فترتفع الشبه، إذ يكون الرصد يمنع الجن الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغوا قومهم من الجن حتى ينتهي الخبر إليهم من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وجائز أن يكونوا أرسلوا لمكان تعظيم الوحي وتشريف الرسالة، والله أعلم.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

إلا من ارتضى من رسول " فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه؛ لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات، وفي التنزيل: " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم" لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم. وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هناك فقط استثناء واحد.. وهو ما يأذن به الله من الغيب، فيطلع عليه رسله، في حدود ما يعاونهم على تبليغ دعوته إلى الناس. فما كان ما يوحي به إليهم إلا غيبا من غيبه، يكشفه لهم في حينه ويكشفه لهم بقدر، ويرعاهم وهم يبلغونه، ويراقبهم كذلك.. ويؤمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يعلن هذا في صورة جادة رهيبة: (إلا من ارتضى من رسول، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم، وأحاط بما لديهم، وأحصى كل شيء عددا).. فالرسل الذين يرتضيهم الله لتبليغ دعوته، يطلعهم على جانب من غيبه، هو هذا الوحي: موضوعه، وطريقته، والملائكة الذين يحملونه، ومصدره، وحفظه في اللوح المحفوظ.. إلى آخر ما يتعلق بموضوع رسالتهم مما كان في ضمير الغيب لا يعلمه أحد منهم. وفي الوقت ذاته يحيط هؤلاء الرسل بالأرصاد والحراس من الحفظة، للحفظ والرقابة. يحمونهم من وسوسة الشيطان ونزغه، ومن وسوسة النفس وتمنيتها، ومن الضعف البشري في أمر الرسالة، ومن النسيان أو الانحراف. ومن سائر ما يعترض البشر من النقص و الضعف.. والتعبير الرهيب -(فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا).. يصور الرقابة الدائمة الكاملة للرسول، وهو يؤدي هذا الأمر العظيم..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أي يطلع الله بعض رسله لأجل ما أراده الله من الرسالة إلى النّاس، فيُعْلم من هذا الإِيمان أن الغيب الذي يطلع الله عليه الرسل هو من نوع ما له تعلق بالرسالة، وهو غيب ما أراد الله إبلاغه إلى الخلق أن يعتقدوه أو أن يفعلوه، وما له تعلق بذلك من الوعد والوعيد من أمور الآخرة، أو أمور الدنيا، وما يؤيد به الرسل عن الإِخبار بأمور مغيبة كقوله تعالى: {غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين} [الروم: 24].

والمراد بهذا الإِطلاعُ المحقق المفيد علماً كعلم المشاهدة، فلا تشمل الآية ما قد يحصل لبعض الصالحين من شرح صدر بالرؤيا الصادقة، ففي الحديث: « الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوءة"، أو بالإِلهام، قال النبي صلى الله عليه وسلم « قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يَكُنْ في أمتِي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم» رواه مسلم. قال مسلم: قال ابن وهب: تفسير محدثون: ملهمون.

وقد قال مالك في الرؤيا الحسنة: أنها تسرُّ ولا تغرُّ، يريد لأنها قد يقع الخطأ في تأويلها.

وشمل {رسول} كلّ مرسل من الله تعالى؛ فيشمل الملائكة المرسلين إلى الرسل بإبلاغ وحي إليهم مثل جبريل عليه السلام. وشمل الرسل من البشر المرسلين إلى الناس بإبلاغ أمر الله تعالى إليهم من شريعة أو غيرها مما به صلاحهم.

والسّلْك حقيقته: الإِدخال كما في قوله تعالى: {كذلك نسْلكه في قلوب المجرمين} في سورة الحجر (12). وأطلق السَّلك على الإِيصال المباشر تشبيهاً له بالدخول في الشيء بحيث لا مصرف له عنه كما تقدم آنفاً في قوله: {ومن يعرض عن ذكر ربه نسلكه عذاباً صعَدَاً} [الجن: 17] أي يرسل إليه ملائكة متجهين إليه لا يبتعدون عنه حتى يَبْلُغَ إليه ما أُوحي إليه من الغيب، كأنّهم شبه اتصالهم به وحراستهم إياه بشيء داخل في أجزاء جسم. وهذا من جملة الحفظ الذي حفظ الله به ذكره في قوله: {إنا نحن نزلنا الذّكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].

والمراد ب {مِن بين يديه ومن خلفه} الكناية عن جميع الجهات، ومن تلك الكناية ينتقل إلى كناية أخرى عن السلامة من التغيير والتحريف.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا} (27)

{ إلا من ارتضى } اصطفى { من رسول } فإنه يطلعه على ما يشاء من الغيب معجزة له { فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا } أي يجعل من جميع جوانبه رصدا من الملائكة يحفظون الوحي من أن يسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكهنة فيساوون الأنبياء

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا} (27)

" فلا يظهر على غيبه أحدا . إلا من ارتضى من رسول " فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه ؛ لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات ، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات ، وفي التنزيل{[15489]} : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " [ آل عمران : 49 ] . وقال ابن جبير : " إلا من ارتضى من رسول " هو جبريل عليه السلام . وفيه بعد ، والأولى أن يكون المعنى : أي لا يظهر على غيبه{[15490]} إلا من ارتضى أي اصطفى للنبوة ، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه : ليكون ذلك دالا على نبوته .

الثانية- قال العلماء رحمة الله عليهم : لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه ، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل ، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم ، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم . وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه ، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه . قال بعض العلماء : وليت شعري ما يقول المنجم في سفينة ركب فيها ألف إنسان على اختلاف أحوالهم ، وتباين رتبهم ، فيهم الملك والسوقة ، والعالم والجاهل ، والغني والفقير ، والكبير والصغير ، مع اختلاف طوالعهم ، وتباين مواليدهم ، ودرجات نجومهم ؛ فعمهم حكم الغرق في ساعة واحدة ؟ فإن قال المنجم قبحه الله : إنما أغرقهم الطالع الذي ركبوا فيه ، فيكون على مقتضى ذلك أن هذا الطالع أبطل أحكام تلك الطوالع كلها على اختلافها عند ولادة كل واحد منهم ، وما يقتضيه طالعه المخصوص به ، فلا فائدة أبدا في عمل المواليد ، ولا دلالة فيها على شقي ولا سعيد ، ولم يبق إلا معاندة القرآن العظيم . وفيه استحلال دمه على هذا التنجيم ، ولقد أحسن الشاعر حيث قال :

حكم المنجِّمُ أن طالعَ مولدي *** يقضي عليَّ بمِيتة الغَرِق

قل للمنجم صَبْحةَ الطُّوفان هل *** وُلد الجَميعُ بكوكب الغَرَقِ

وقيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد لقاء الخوارج : أتلقاهم والقمر في العقرب ؟ فقال رضي الله عنه : فأين قمرهم ؟ وكان ذلك في آخر الشهر . فانظر إلى هذه الكلمة التي أجاب بها ، وما فيها من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم ، والإفحام لكل جاهل يحقق أحكام النجوم . وقال له مسافر بن عوف : يا أمير المؤمنين ! لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار . فقال له علي رضي الله عنه : ولم ؟ قال : إنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك بلاء وضر شديد ، وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت وظهرت وأصبت ما طلبت . فقال علي رضي الله عنه : ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ، ولا لنا من بعده{[15491]} - من كلام طويل يحتج فيه بآيات من التنزيل - فمن صدقك في هذا القول لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ندا أو ضدا ، اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك . ثم قال للمتكلم : نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي تنهانا عنها . ثم أقبل على الناس فقال : يا أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ، وإنما المنجم كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار ، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأخلدنك في الحبس ما بقيت وبقيت ، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان . ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها ، ولقي القوم فقتلهم وهي وقعة النهروان الثابتة في الصحيح لمسلم . ثم قال : لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها وظفرنا وظهرنا لقال قائل سار في الساعة التي أمر بها المنجم ، ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ولا لنا من بعده ، فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر وسائر البلدان - ثم قال : يا أيها الناس ! توكلوا على الله وثقوا به ، فإنه يكفي ممن سواه .

قوله تعالى : " فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا " يعني ملائكة يحفظونه عن أن يقرب منه شيطان ، فيحفظ الوحي من استراق الشياطين والإلقاء إلى الكهنة . قال الضحاك : ما بعث الله نبيا إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين عن أن يتشبهوا بصورة الملك ، فإذا جاءه شيطان في صورة الملك قالوا : هذا شيطان فاحذره . وإن جاءه الملك قالوا : هذا رسول ربك . وقال ابن عباس وابن زيد : " رصدا " أي حفظة يحفظون النبي صلى الله عليه وسلم من أمامه وورائه من الجن والشياطين . قال قتادة وسعيد بن المسيب : هم أربعة من الملائكة حفظة .

وقال الفراء : المراد جبريل ، كان إذا نزل بالرسالة نزلت معه ملائكة يحفظونه من أن تستمع الجن الوحي ، فيلقوه إلى كهنتهم ، فيسبقوا الرسول . وقال السدي : " رصدا " أي حفظة يحفظون الوحي ، فما جاء من عند الله قالوا : إنه من عند الله ، وما ألقاه الشيطان قالوا : إنه من الشيطان{[15492]} . و " رصدا " نصب على المفعول . وفي الصحاح : والرصد القوم يرصدون كالحرس ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا أرصادا . والراصد للشيء الراقب له ، يقال : رصده يرصده رصدا ورصدا . والترصد الترقب والمرصد موضع الرصد{[15493]} .


[15489]:راجع جـ 4 ص 95.
[15490]:في ح: "من غيبه بطريق الوحي إليهم ليكون. . .".
[15491]:جملة: "من بعد" ساقطة من أ، ح.
[15492]:هذا الكلام ينافي قوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله قد عصمني من الإنس والجن" (الحديث 6 ص 244) وأن الشياطين لا يمكن أن ينالوا منه عليه السلام، فكيف يلقون إليه حتى لا يفرق ما يلقونه وبين الوحي إلى أن تبينه له الملائكة.
[15493]:في، ح: "موضع الرقب".
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا} (27)

إلا من اختاره الله لرسالته وارتضاه ، فإنه يُطلعهم على بعض الغيب ، ويرسل من أمام الرسول ومن خلفه ملائكة يحفظونه من الجن ؛ لئلا يسترقوه ويهمسوا به إلى الكهنة ؛