نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا} (27)

ولما كان لا يعلم الغيب إلا ببروزه إلى عالم الشهادة ، وكان لأول من يطلع عليه شرف ينبغي أن يعرف له قال : { إلا من ارتضى{[69290]} } أي عمل الله تعالى في كونه{[69291]} رضي عمل من يتعمد ذلك ويجتهد فيه ، وبين " من " بقوله : { من رسول } أي من الملائكة و{[69292]}من الناس فإنه يظهر عليه ذلك المرتضى الموصوف لا كل مرتضى بأن يظهره على ما شاء منه لأن الغيب جنس لا تحقق له إلا في ضمن أفراده ، فإذا ظهر فرد منه فقد ظهر فيه الجنس لظهور حصة منه ، وتارة يكون{[69293]} ذلك الرسول ملكاً ، وتارة يكون بشراً يكلمه الله بغير واسطة كموسى عليه الصلاة والسلام في أيام المناجاة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج في العالم الأعلى في حضرة قاب قوسين أو أدنى ، وإذا ظهر عليه الرسول خرج عن كونه غيباً ، وأوصله الرسول إلى من أذن له في إيصاله{[69294]} له تارة بالوحي للأنبياء وتارة بالنفث والإلهام للأولياء ، وذلك عند تهييء نفوسهم بسكون قواها عن منازعة العقل بالشهوات والحظوظ كما يكون للنفوس عامة حين سكون القوى{[69295]} عن المنازعة بالنوم فتكون متهيئة للنفث فيها فمن{[69296]} أعرض عن جانب الحس وأقبل على جناب{[69297]} القدس فقد هيأ نفسه لنفث{[69298]} الملك في ورعه بعلم ما لم يكن يعلم{[69299]} وليس أحد من الناس إلا وقد علم من نفسه أنه إذا أقبل على شيء بكليته حدث له فيه أمور حدسية إلهامية بغتة من غير سابقة فكر وطلب ، و{[69300]}على قدر التهيئة{[69301]} يكون النفث من قبل الله سبحانه وتعالى ، وربما كان النفث شيطانياً بما تلقته الشياطين من الاستراقات {[69302]}من الملائكة إما من الأرض بعد نزولهم أو من السماء بالاستراق فيها - والله أعلم ، ويجوز أن يكون للأولياء مشافهة من الملك{[69303]} كما كان لمريم عليها السلام من الملائكة ، وقال جبريل عليه الصلاة والسلام عن بعضهم إنه لو سلم رد عليه . ولما دل هذا السياق على عزة علم الغيب و{[69304]}كانت عزته سبباً لحراسة من يطلع عليه ليؤديه إلى من أمر به كما أمر به{[69305]} ، أعلم سبحانه وتعالى بذلك بقوله مؤكداً{[69306]} تمييزاً له من علم الكهان{[69307]} الذي أصله من الجان{[69308]} دالاًّ على إجلال الرسل وإعظامهم وتبجيلهم وإكرامهم : { فإنه } أي الله سبحانه وتعالى يظهر ذلك الرسول على ما يريد من الغيب .

وذلك أنه إذا{[69309]} أراد إظهاره عليه { يسلك } أي يدخل إدخال السلك في الجوهرة في تقومه ونفوذه من غير أدنى تعريج إلى غير المراد . ولما كان الغرض يحصل بمن يقيمه سبحانه من جنوده للحراسة ولو أنه واحد من كل جهة بل وبغير ذلك ، وإنما جعل هذا الإخراج للأمر على ما يتعارفه العباد ، عبر بالجارّ دليلاً على عدم استغراق الرصد{[69310]} للجهات إلى منقطع الأرض مثلاً فقال : { من بين يديه } أي الجهة التي يعلمها ذلك الرسول { ومن خلفه } أي الجهة التي تغيب عن علمه ، فصار ذلك كفاية عن كل جهة ، ويمكن أن يكون ذكر الجهتين دلالة{[69311]} على الكل وخصهما لأن العدو متى أعريت واحدة منهما{[69312]} أتى منها{[69313]} ، ومتى حفظت لم يأت من غيرهما ، لأنه يصير بين الأولين والآخرين { رصداً * } أي حرساً من جنوده يحرسونه ويحفظونه بحفظ ما معه من الغيب من اختطاف الشياطين أو غيرهم لئلا يسترقوا شيئاً من خبره - قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال مقاتل{[69314]} وغيره رضي الله عنهما : يخبرونه{[69315]} بمن أنكره بأن يحذروه منه إن كان شيطاناً أو يأمروه بالسماع منه إن كان ملكاً ، وذلك أن إبليس كان{[69316]} يأتي الأنبياء في صورة جبريل عليه السلام{[69317]} {[69318]}ولكن الله عصمهم منه{[69319]} .


[69290]:- من ظ وم، وفي الأصل: قريب.
[69291]:- زيدت الواو في الأصل وظ، ولم تكن في م فحذفناها.
[69292]:- من ظ وم، وفي الأصل: أو.
[69293]:- من ظ وم، وفي الأصل: ليكون.
[69294]:- من م، وفي الأصل وظ: إرساله.
[69295]:- من م، وفي الأصل وظ: النفوس.
[69296]:- زيد من ظ وم.
[69297]:- من م، وفي الأصل وظ: جانب.
[69298]:- من ظ وم، وفي الأصل: للنفث.
[69299]:- زيد في الأصل وظ: ما لم يعلم، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[69300]:- زيد في الأصل: قد، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69301]:- في ظ: التهيا.
[69302]:- من ظ وم، وفي الأصل: الاسترقات.
[69303]:- زيد من م.
[69304]:- زيد من ظ وم.
[69305]:-زيد من ظ وم.
[69306]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[69307]:- من ظ وم، وفي الأصل: الكهانة.
[69308]:- من ظ وم، وفي الأصل: الجنان.
[69309]:- زيد من ظ وم.
[69310]:- من ظ وم، وفي الأصل: الوصل.
[69311]:- من ظ وم، وفي الأصل: دالا.
[69312]:- من م، وفي الأصل: أتى منها، وسقط ما بين الرقمين من ظ.
[69313]:- من م، وفي الأصل: أتى منها، وسقط ما بين الرقمين من ظ.
[69314]:- راجع معالم التنزيل 7/ 136.
[69315]:- من ظ وم، وفي الأصل: يخبره.
[69316]:- زيد من ظ.
[69317]:- زيد من ظ وم.
[69318]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[69319]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.