الآيتان 26 و27 : وقوله تعالى : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا }{ إلا من ارتضى من رسول } الأصل[ في ما ]{[22361]} غيب الله عن الخلق أنه على منازل ثلاثة :
أحدها : قد أعجز الخلق عن احتمال الوقوف عليه بالخلقة نحو الكيانات التي هي أصول الأشياء ؛ لو أراد أحد أن يعرف المعنى الذي صلح أن يكون كيانا لم يقف عليه ، ونحو الماء[ الذي ]{[22362]}جعل حياة لكل شيء ، ولو أراد أحد أن يتعرف المعنى الذي به يصلح أن يجعل حياة لم يقف عليه . وكذلك هذا في كل ما جعل كيانا موجودا .
والثاني : ما مكن معرفته وبلوغه إليه بالتأمل والنظر بدون معرفة السمع والأثر نحو معرفة الصانع ومعرفة وحدانيته .
والثالث : هو الذي لم يعجزهم عن إدراكه ، ولا مكنهم من الوقوف عليه دون خبر يرد . فقوله تعالى : { فلا يظهر على غيبه أحدا }{ إلا من ارتضى من رسول } في هذا والذي مكنوا فيه . لكنهم لا يبلغونه إلا بمعونة الخبر ؛ وذلك نحو الأشياء التي ترجع إلى مصالح الخلق والتي توصل إلى مصالح الأغذية مما ظهر بين الخلق ، ولكنها لا تعرف إلا بالسماع ممن له علم من الخلق وانتشاره فيهم ، وهو بحيث لا يحتمل إدراكه بالنظر ، فبين أن ذلك بالرسول . ومتى وجد ذلك من شخص مشار إليه دل ذلك على الاختصاص له بالرسالة .
ثم ذكر بعضهم أن في هذه الآية دلالة تكذيب المنجّمة ، وليس كذلك لأن فيهم من يصدق خبره ، ويعرف المطالع والمغارب والمشارق والكواكب التي بها يتوالد الخلق والتي يقع عندها التغير والتبدل ، وذلك مما لا يوقف على علمه بالتأمل والتدبر ، وكذلك المطبّبة منهم من يعرف طبائع النبات أنها تصلح لكذا ، وهذا يصلح لكذا ، فتقع به المصالح للخلق .
ومعلوم{[22363]} أن هذا من نوع ما لا يدرك بالتأمل والنظر ، فعلم أنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره ، وبقي علمه في الخلق ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إلا من ارتضى من رسول } أي اختاره ، واصطفاه .
والأصل أن الرسالة تلوم خلق الشهادة له بالصدق في كل خبر وبالعدل في كل حكم لقوله : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }[ النساء : 65 ] وبالإصابة في كل أمر في ما لم يبلغ مبلغا يوجب الأمر ، فهو لا يختصه للرسالة .
وفي الاختصاص نعمة عظيمة على الخلق ؛ إذ به وصل الخلق إلى تعرف ما تبلغهم إليه الحاجة في أمر معاشهم ومعادهم ودينهم ودنياهم .
وقوله تعالى : { فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا } قيل : رصدا من بين يدي الرسول ومن خلفه من الملائكة ليمنع الإنس عن الرسل في منعهم عن التبليغ حتى يبلغوا . ذكر هذا عن الحسن البصري ، رحمه الله ، وكذلك قال في قوله : { إن ربك أحاط بالناس }[ الإسراء : 60 ] . إن إحاطته هي أن يعصمه من الناس[ من أن يصل إليه منع الناس ]{[22364]} إياه عن تبليغ الرسالة .
ويحتمل أن يكون الملائكة جعلوا رصدا للجن{[22365]} عن استراق ما يوحى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعن تلقنه حتى يكون الرسول هو الذي يبلغ إلى الخلق ، ويشتهر ذلك بين الخلق أن الرسول ، هو الذي قام بتبليغه إلى الخلق ، لأنهم إذا لم يجعلوا رصدا[ لكان للجن ]{[22366]} أن يسترقوه ، ويبلغوه ، فيأتوا بلدة ، لم يتيسر عندهم علم ذلك من جهة الرسول ، فيعرفوا ذلك من عند الجن قبل أن يبلغهم الرسول ، فإذا بلّغ الرسول من بعد التبس الأمر على الذين ظهر فيهم العلم من جهة الجن ، فجعل عليهم رصدا حتى ينتشر علم ذلك من جهة الرسول ، [ فترتفع الشبه ]{[22367]} ، إذ يكون الرصد يمنع الجن الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغوا قومهم من الجن حتى ينتهي الخبر إليهم من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقال بعضهم : { من بين يديه ومن خلفه رصدا } إن الملائكة كانوا يرصدون النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاءه الملك قالوا : هذا وحي من الله تعالى ، وإذا جاءه الشيطان أخبروه به ، ولكن هذا بعيد ، لا يحتمل أن يخفى عليه وحي الشيطان من وحي جبرائيل عليه السلام .
وقال بعضهم : { من بين يديه ومن خلفه رصدا } أي من بين يدي من يبلغ الرسالة إلى الرسول ، وهو الملك الذي ينزل بالوحي ، جعل من بين يديه ومن خلفه ملائكة يرصدونه كي لا يستلب الشيطان منه ، ويحدث فيه حدثا من التغيير والتبديل ، ليعلم رسول الله أنه إنما يبلغ إليه رسالة ربه ، وهذا بعيد أيضا لأن المبلغ بالقوة يدفع{[22368]} أذى الجن عن نفسه ، وهو أمين لا يخاف من التغيير والتبديل حتى يجعله ممتحنا بالتبليغ ، والذين معه من الرصد/605 –أ/ امتحنوا بأمور أخر ، لا أن جعلوا رصدا من الجن .
وجائز أن يكونوا أرسلوا لمكان تعظيم الوحي وتشريف الرسالة ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.