فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا} (27)

ثم استثنى فقال : { إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ } أي إلاّ من اصطفاه من الرسل ، أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه ، ليكون ذلك دالاً على نبوّته . قال القرطبي : قال العلماء : لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ، ثم استثنى من ارتضى من الرسل ، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم ، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوّتهم ، وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكف ويزجر بالطين ممن ارتضاه من رسول ، فيطلعه على ما يشاء من غيبه ، فهو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه . وقال سعيد بن جبير : إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ هو جبريل ، وفيه بعد . وقيل : المراد بقوله : { إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ } فإنه يطلعه على بعض غيبه ، وهو ما يتعلق برسالته كالمعجزة وأحكام التكاليف وجزاء الأعمال وما يبينه من أحوال الآخرة ، لا ما لا يتعلق برسالته من الغيوب ، كوقت قيام الساعة ونحوه . قال الواحدي : وفي هذا دليل على أن من ادّعى أن النجوم تدله على ما يكون من حادث فقد كفر بما في القرآن . قال في الكشاف : وفي هذا إبطال للكرامات ، لأن الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل ، وقد خصّ الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب ، وإبطال للكهانة والتنجيم ، لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء ، وأدخله في السخط .

/خ28