ثم يذكر من آلاء الله في البحرين بعض ما هو قريب منهم في حياتهم .
( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) . .
واللؤلؤ في أصله - حيوان . " ولعل اللؤلؤ أعجب ما في البحار ، فهو يهبط إلى الأعماق ، وهو داخل صدفة من المواد الجيرية لتقيه من الأخطار ، ويختلف هذا الحيوان عن الكائنات الحية في تركيبه وطريقة معيشته ، فله شبكة دقيقة كشبكة الصياد ، عجيبة النسج ، تكون كمصفاة تسمح بدخول الماء والهواء والغذاء إلى جوفه ، وتحول بين الرمال والحصى وغيرها . وتحت الشبكة أفواه الحيوان ، ولكل فم اربع شفاه . فإذا دخلت ذرة رمل ، أو قطعة حصى ، أو حيوان ضار عنوة إلى الصدفة ، سارع الحيوان إلى إفراز مادة لزجة يغطيها بها ، ثم تتجمد مكونة لؤلؤة ! وعلى حسب حجم الذرة التي وصلت يختلف حجم اللؤلؤة ! " . .
" والمرجان من عجائب مخلوقات الله ، يعيش في البحار على أعماق تتراوح بين خمسة أمتار وثلاث مائة متر ، ويثبت نفسه بطرفه الأسفل بصخر أو عشب . وفتحة فمه التي في أعلى جسمه ، محاطة بعدد من الزوائد يستعملها في غذائه . فإذا لمست فريسة هذه الزوائد ، وكثيرا ما تكون من الأحياء الدقيقة كبراغيث الماء ، أصيبت بالشلل في الحال ، والتصقت بها ، فتنكمش الزوائد وتنحني نحو الفم ، حيث تدخل الفريسة إلى الداخل بقناة ضيقة تشبه مريء الإنسان " .
" ويتكاثر هذا الحيوان بخروج خلايا تناسلية منه ، يتم بها إخصاب البويضات ، حيث يتكون الجنين الذي يلجأ إلى صخرة أو عشب يلتصق به ، ويكون حياة منفردة ، شأنه في ذلك شأن الحيوان الأصلي " .
" ومن دلائل قدرة الخالق ، أن حيوان المرجان يتكاثر بطريقة أخرى هي التزرر . وتبقى الأزرار الناتجة متحدة مع الأفراد التي تزررت منها ، وهكذا تتكون شجرة المرجان التي تكون ذات ساق سميكة . تأخذ في الدقة نحو الفروع التي تبلغ غاية الدقة في نهايتها . ويبلغ طول الشجرة المرجانية ثلاثين سنتيمترا . والجزر المرجانية الحية ذات ألوان مختلفة ، نراها في البحار صفراء برتقالية ، أو حمراء قرنفلية ، أو زرقاء زمردية ، أو غبراء باهتة " .
والمرجان الأحمر هو المحور الصلب المتبقي بعد فناء الأجزاء الحية من الحيوان ، وتكون الهياكل الحجرية مستعمرات هائلة .
" ومن هذه المستعمرات سلسلة الصخور المرجانية المعروفة باسم الحاجز المرجاني الكبير ، الموجود بالشمال الشرقي لأستراليا . ويبلغ طول هذه السلسلة ، ألفا و 350 ميلا وعرضها 50 ميلا . وهي مكونة من هذه الكائنات الحية الدقيقة الحجم " .
اللؤلؤ : هو الدر المعروف المخلوق في الأصداف .
المرجان : نوع أحمر من حيوان البحر أيضا يُتخذ حلياً .
ومن البحر المالح والعذب يخرجُ اللؤلؤ والمرجان ، يتّخذ الناس منهما حِليةً يلبسونها .
قرأ الجمهور : يخرُج بفتح الياء وضم الراء . وقرأ نافع وأبو عمرو ويعقوب : يُخرَج بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول .
{ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ } صغار الدر { وَالمَرْجَانُ } كباره كما أخرج ذلك عبد بن حميد . وابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه . ومجاهد ، وأخرجه عبد عن الربيع . وجماعة منهم المذكوران . وابن المنذر . وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس ، وأخرج ابن جرير عنه أنه قال : { اللؤلؤ } ما عظم منه { وَالمَرْجَانُ } اللؤلؤ الصغار .
وأخرج هو . وعبد الرزاق . وعبد بن حميد عن قتادة نحوه ، وكذا أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن مجاهد ، وأظن أنه إن اعتبر في اللؤلؤ معنى التلألؤ واللمعان وفي المرجان معنى المرج والاختلاط فالأوفق لذلك ما قيل : ثانياً فيهما ، وأخرج عبد الرزاق . والفريابي . وعبد بن حميد . وابن جرير . وابن المنذر . والطبري عن ابن مسعود أنه قال : المرجان الخرز الأحمر أعني البسذ وهو المشهور المتعارف ، و { اللؤلؤ } عليه شامل للكبار والصغار ، ثم إن اللؤلؤ بناء غريب قيل : لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة هو ، والجؤجؤ الصدر وقرية بالبحرين ، والدؤدؤ آخر الشهر أو ليلة خمس وست وسبع وعشرين . أو ثمان وتسع وعشرين . أو ثلاث ليال من آخره ، والبؤبؤ بالباء الموحدة الأصل . والسيد الظريف . ورأس المكحلة . وإنسان العين . ووسط الشيء ، واليؤيؤ بالياء آخر الحروف طائر كالباشق ، ورأيت في كتب اللغة على هذا البناء غيرها وهو الضؤضؤ الأضل للطائر . والنؤنؤ بالنون المكثر تقليب الحدقة . والعاجز الجبان ، ومن ذلك شؤشؤ دعاء الحمار إلى الماء وزجر الغنم والحمار للمضي . أو هو دعاء للغنم لتأكل ، أو تشرب . وأما المرجان فقد ذكره «صاحب القاموس » في مادة مرج ولم يذكر ما يفهم منه أنه معرب ، وقال أبو حيان في «البحر » : هو اسم أعجمي معرب . وقال ابن دريد : لم أسمع فيه بفعل متصرف .
وقرأ طلحة اللؤلؤ بكسر اللام الأخيرة . وقرء اللؤلى بقلب الهمزة المتطرفة ياءاً ساكنة بعد كسر ما قبلها وكل من ذلك لغة . وقرأ نافع . وأبو عمرو { يَخْرُجُ } مبنياً للمفعول من الإخراج ، وقرئ { يَخْرُجُ } مبنياً للفاعل منه ونصب { الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } أي يخرج الله تعالى . واستشكلت الآية على تفسير البحرين بالعذب والملح دون بحري فارس والروم بأن المشاهد خروج { الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } من أحدهما وهو الملح . فكيف قال سبحانه : { مِنْهُمَا } ؟ وأجيب بأنهما لما التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يقال : يخرجان منهما كما يقال يخرجان من البحر ولا يخرجان من جميعه ولكن من بعضه ، وكما تقول خرجت من البلد وإنما خرجت من محلة من محاله بل من دار واحدة من دوره ، وقد ينسب إلى الإثنين ما هو لأحدهما كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واد منهم .
ومثله على ما في الانتصاف { على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] وعلى ما نقل عن الزجاج { سَبْعَ سموات طِبَاقاً وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً } [ نوح : 15 ، 16 ] ، وقيل : إنهما لا يخرجان إلا من ملتقى العذب والملح ويرده المشاهدة وكأن من ذكره مع ما تقدم لم يذكره لكونه قولاً آخر بل ذكره لتقوية الاتحاد فحينئذ تكون علاقة التجوز أقوى .
وقال أبو علي الفارسي : هذا من باب حذف المضاف والتقدير يخرج من أحدهما وجعل { مّنَ القريتين } من ذلك . وهو عندي تقدير معنى لا تقدير إعراب . وقال الرماني : العذب منهما كاللقاح للملح فهو كما يقال الولد يخرج من الذكر والأنثى أي بواسطتهما ، وقال ابن عباس ، وعكرمة : تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر لأن الأصداف في شهر نيسان تتلقى ماء المطر بأفواهها فتتكون منه ، ولذا تقل في الجدب ، وجعل عليه ضمير { مِنْهُمَا } للبحرين باعتبار الجنس ولا يحتاج إليه بناءاً على ما أخرجه ابن جرير عنه أن المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الأرض .
وأخرج هو . وابن المنذر عن ابن جبير نحوه إلا أن في تكون المرجان بناءاً على تفسيره بالبسذ من ماء المطر كاللؤلؤ تردداً وإن قالوا : إنه يتكون في نيسان ، وقال بعض الأئمة : ظاهر كلام الله تعالى أولى بالاعتبار من كلام الناس ، ومن علم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من الملح ، ولكن لم قلتم أن الصدف لا يخرج بأمر الله تعالى من الماء العذب إلى الماء الملح فإن خروجه محتمل تلذذاً بالملوحة كما تلتذ المتوحمة بها في أوائل حملها حتى إذا خرج لم يمكنه العود ، وكيف يمكن الجزم بما قلتم وكثير من الأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم ، والله تعالى أعلم . ومن غريب التفسير : ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال : { مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ } [ الرحمن : 19 ] علي . وفاطمة رضي الله تعالى عنهما { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } النبي صلى الله عليه وسلم { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما .
وأخرج عن إياس بن مالك نحوه لكن لم يذكر فيه البرزخ ، وذكر الطبرسي من الأمامية في تفسيره«مجمع البيان » الأول بعينه عن سلمان الفارسي . وسعيد بن جبير . وسفيان الثوري ، والذي أراه أن هذا إن صح ليس من التفسير في شيء بل هو تأويل كتأويل المتصوفة لكثير من الآيات ، وكل من عليّ . وفاطمة رضي الله تعالى عنهما عندي أعظم من البحر المحيط علماً وفضلاً ، وكذا كل من الحسنين رضي الله تعالى عنهما أبهى وأبهج من اللؤلؤ والمرجان بمراتب جاوزت حدّ الحسبان .
هذا ومن باب الإشارة : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] أنواع أنوار الأسرار ونيران الأشواق
قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما } قرأ أهل المدينة والبصرة : يخرج بضم الياء وفتح الراء ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الراء ، { اللؤلؤ والمرجان } وإنما يخرج من المالح دون العذب ، وهذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئان ثم يخص أحدهما بفعل ، كما قال عز وجل : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم }( الأنعام-130 ) وكان الرسل من الإنس دون الجن . وقال بعضهم يخرج من ماء السماء وماء البحر . قال ابن جريج : إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فحيثما وقعت قطرة كانت لؤلؤة ، واللؤلؤ : ما عظم من الدر ، والمرجان : صغارها . وقال مقاتل ومجاهد على الضد من هذا . وقيل : المرجان الخرز الأحمر . وقال عطاء الخراساني : هو البسد .