في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) . .

وهذه إشارة من الجن إلى ما كان متعارفا في الجاهلية - وما يزال متعارفا إلى اليوم في بيئات كثيرة - من أن للجن سلطانا على الأرض وعلى الناس ، وأن لهم قدرة على النفع والضر ، وأنهم محكمون في مناطق من الأرض أو البحر أو الجو . . إلى آخر هذه التصورات . مما كان يقتضي القوم إذا باتوا في فلاة أو مكان موحش ، أن يستعيذوا بسيد الوادي من سفهاء قومه ، ثم يبيتون بعد ذلك آمنين !

والشيطان مسلط على قلوب بني آدم - إلا من اعتصم بالله فهو في نجوة منه - وأما من يركن إليه فهو لا ينفعه . فهو عدو له . إنما يرهقه ويؤذيه . . وهؤلاء النفر من الجن يحكون ما كان يحدث : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) . . ولعل هذا الرهق هو الضلال والقلق والحيرة التي تنوش قلوب من يركنون إلى عدوهم ، ولا يعتصمون بالله منه ويستعيذون ! كما هم مأمورون منذ أبيهم آدم وما كان بينه وبين إبليس من العداء القديم !

والقلب البشري حين يلجأ إلى غير الله ، طمعا في نفع ، أو دفعا لضر ، لا يناله إلا القلق والحيرة ، وقلة الاستقرار والطمأنينة . . . وهذا هو الرهق في أسوأ صوره . . الرهق الذي لا يشعر معه القلب بأمن ولا راحة !

إن كل شيء - سوى الله - وكل أحد ، متقلب غير ثابت ، ذاهب غير دائم ، فإذا تعلق به قلب بقي يتأرجح ويتقلب ويتوقع ويتوجس ؛ وعاد يغير اتجاهه كلما ذهب هذا الذي عقد به رجاءه . والله وحده هو الباقي الذي لا يزول . الحي الذي لا يموت . الدائم الذي لا يتغير . فمن اتجه إليه اتجه إلى المستقر الثابت الذي لا يزول ولا يحول :

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

يعوذون : يستجيرون ويلتجئون . كان الرجل في الجاهلية إذا أمسى في مكان خالٍ يقول : أعوذُ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ، ولا يعوذ بالله .

رهقا : إثما ، وحَمْلَ المرء على ما لا يطيق .

وكذلك أخبر قومك يا محمد ، أن بعض الجن يقولون إن رجالاً من الإنس كانوا يستعيذون برجال من الجن ولا يستعيذون بالله فزادهم الجن ضلالا وطغيانا .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

شرح الكلمات :

{ يعوذون } : أي يستعيذون .

{ فزادوهم رهقا } : أي إثما وطغيانا .

المعنى :

وقالوا { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا } يخبرون بخبر عجيب وهو أنه كان رجال من الناس من العرب وغيرهم إذا نزلوا منزلا مخوفا في واد وشعب يستعيذون برجال من الجن كأن يقول الرجل أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فزاد الإِنس الجن بهذا اللجأ إليهم والاحتماء بهم رهقا أي إثما وطغيانا . إذ ما كانوا يطمعون أن الإِنس تعظمهم هذا التعظيم حتى تستجير بهم .

الهداية :

من الهداية :

- حرمة الاستعانة بالجن والاستعاذة بهم لأن ذلك كالعبادة لهم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

< وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } وذلك أن الرجل في الجاهليه كان إذا سافر فأمسى في الأرض القفر قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه أي الجن يقول الله { فزادوهم رهقا } أي فزادوهم بهذا التعوذ طغيانا وذلك أنهم قالوا سدنا الجن والإنس

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

ولما علم من قولهم أن مستند الضلال ظنون وشبه متى حكت على محك النظر بان فسادها ، وأظهر{[69009]} زيفها نقادها ، أتبعه شبهة أخرى زادت الفريقين ضلالاً بعضهم ببعض للتقيد بالمحسوسات ، والوقوف مع الخيالات الموهومات ، فقال حاكياً عنهم تنبيهاً على عدم الاغترار بالمدح والإطراء الموجبين للغلط في النفس وعلى أنه يجب{[69010]} التثبت حتى لا يقع الغلط في الأسباب المسخرة فيظن أنها مؤثرة فيتجاوز بها الحد عن رتبة الممكنات إلى رتبة الواجب ، مؤكدين لأنه لا يكاد يصدق أن الجن يخاطبهم الإنس فيكارمونهم : { وإنه } أي الشأن { كان رجال } أي ذوو قوة وبأس { من الإنس } أي النوع الظاهر في عالم الجنس{[69011]} { يعوذون } أي يلجؤون ويعتصمون - خوفاً على أنفسهم وما معهم - إذا نزلوا وادياً { برجال من الجن } أي القبيل المستتر عن الأبصار فإنه كان القوم منهم إذا نزلوا وادياً أو غيره من القفر تعبث بهم{[69012]} الجن في بعض الأحيان لأنه لا مانع لهم{[69013]} منهم من ذكر الله تعالى ولا دين صحيح ، ولا كتاب من الله صريح ، فحملهم ذلك على أن يستجيروا بعظمائهم{[69014]} فكان الرجل يقول عند خوفه : إني أعوذ بعظيم هذا الوادي من{[69015]} شر سفهاء قومه أو{[69016]} نحو هذا فلا يرى إلا خيراً{[69017]} ، وربما هدوه إلى الطريق وردوا عليه ضالته ، فكان{[69018]} ذلك فتنة للإنس باعتقادهم في الجن غير ما هم عليه ، فتبعوهم في الضلال ، وفتنة الجن بأن يغتروا بأنفسهم ويقولوا سدنا : الجن والإنس ، فيضلوا ويضلوا ، ولذلك سبب عنه قوله : { فزادوهم } أي الإنس{[69019]} الجن باستعاذتهم هذه المرتب عليها إعاذتهم ، والجن{[69020]} الإنس بترئيس الإنس لهم وخوفهم منهم { رهقاً * } أي ضيقاً وشدة وغشياناً لما هم فيه من أحوال الضلال التي يلزم منها الضيق والشدة ، وأصل الرهق غشيان بقوة وشدة وقهر ، وقال البغوي{[69021]} : والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم .

كما يتفق لمن يسلك من أهل التصوف على غير أصل فيرى في أثناء السير أنواراً وأشياء تعجبه شيطانية فيظنها رحمانية ، فيقف عندها ويأنس بها لفساد في أصل جبلته{[69022]} نشأ عنه{[69023]} سوء مقصده ، فربما كان ذلك سبباً لكفره فيزداد هو وأمثاله من الإنس {[69024]}ضلالاً ويزداد{[69025]} من أضله من الجن ضلالاً وإضلالاً{[69026]} وعتواً ، ويزداد الفريقان{[69027]} بعداً عن اللجأ إلى الله وحده ، ولقد أغنانا{[69028]} الله سبحانه وتعالى بالقرآن والذكر المأخوذ عن خير خلقه بشرطه في أوقاته عن كل شيء كما أخبر{[69029]} صلى الله عليه وسلم أن من قال عند إتيانه الخلاء " بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " ستر عن الجن ، وأن من قال إذا أتى امرأته " اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني " فأتاه ولد لم يقدر الشيطان أن يضره ، ومن أذن أمن تغول الغيلان ، وروى الترمذي{[69030]} وأحمد{[69031]} - قال المنذري : ورواته رواة{[69032]} الصحيح - عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يأخذ مضجعه فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلا وكل الله تعالى به ملكاً فلا يقربه شيء يؤذيه حتى يهب متى هب " وللطبراني في الكبير - قال المنذري : ورواته رواة الصحيح إلا المسيب بن واضح ، قال الهيثمي{[69033]} : وهو ضعيف وقد وثق - عن عبد الله بن بسر{[69034]} رضي الله عنه قال : " خرجت من حمص فآواني الليل إلى البقيعة{[69035]} فحضرني من أهل الأرض فقرأت هذه الآية من الأعراف

إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض{[69036]} في ستة أيام ثم استوى على العرش }{[69037]}[ الأعراف : 54 ] إلى آخر الآية ، فقال بعضهم لبعض{[69038]} : احرسوه الآن حتى يصبح ، فلما أصبحت ركبت دابتي " والأحاديث في هذا كثيرة في آية{[69039]} الكرسي وغيرها ، وكذا حكايات من اعترضه بعض الجن فلما قرأ ذهب عنه .


[69009]:- من ظ وم، وفي الأصل: ظهر.
[69010]:- من ظ وم، والأصل: يجيب.
[69011]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحس.
[69012]:- من ظ وم، وفي الأصل: منهم.
[69013]:- من ظ وم، وفي الأصل: له.
[69014]:- من ظ، وفي الأصل وم: بعظمائهم.
[69015]:- زيد في الأصل: عظيم هذا الوادي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69016]:- من ظ وم، وفي الأصل "و".
[69017]:- زيد في الأصل: دائما، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69018]:- من ظ وم، وفي الأصل: وكان.
[69019]:- زيدت الواو في ظ وم.
[69020]:- زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[69021]:- في المعالم 7/ 133.
[69022]:- من م، وفي الأصل وظ: جبلتها.
[69023]:- من ظ وم، وفي الأصل: عنها.
[69024]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[69025]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[69026]:- زيد من ظ
[69027]:- من وم، وفي الأصل: الفريقين.
[69028]:- من ظ وم، وفي الأصل: أعاذنا.
[69029]:- زيد في الأصل: الله تعالى- مع يسير من البياض، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69030]:- راجع الجامع 2/ 177.
[69031]:- راجع المسند 4/ 125.
[69032]:- زيد من ظ وم.
[69033]:- في مجمع الزوائد 7/ 24.
[69034]:- من م والمجمع، وفي الأصل: بشير، وفي ظ: بشر.
[69035]:- من ظ وم والمجمع، وفي الأصل: النفعة.
[69036]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[69037]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[69038]:- زيد من المجمع.
[69039]:- من ظ وم، وفي الأصل: آخر سورة.